الرأي أريبا ، وفي الأمر صليبا (١) ، وفي الكرم نجيبا يلدغك بحرارة لسانه ، ويقرعك بما لا يستطيع إنكاره ، فقال له معاوية : والله لأجفينك عن الوساد ، ولأشردنّ بك في البلاد فقال له صعصعة : والله إن في الأرض لسعة وإن في فراقك لدعة ، قال له معاوية : والله لأحبسن عطاءك ، قال : إن كان ذلك بيدك فافعل ، إن العطاء وفضائل النعماء في ملكوت من لا تنفذ خزائنه ولا يبيد عطاؤه ولا يجنيه في قضيته ، فقال له معاوية : لقد استقلت ، فقال له صعصعة : مهلا لم أقل جهلا ، ولم أستحل قتلا ، لا تقتل النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ ، ومن قتل مظلوما كان الله لقاتله مقيما يرهقه أليما ، ويجرعه حميما ، ويصليه جحيما ، فقال معاوية لعمرو بن العاص : اكفناه ، فقال له عمرو : وما يجهمك لسلطانك؟ فقال له صعصعة : ويلي عليك يا ماوي مطردي أهل الفساد ومعادي أهل الرشاد ، فسكت عنه عمرو.
في الكتاب الذي أخبرنا ببعضه أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو عمرو بن منده ، أنا الحسن بن محمّد بن يوه ، أنا أبو الحسن اللنباني (٢) ، أنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدّثني أبو الخطاب البصري ، حدّثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدّثني الفضل : أن وفدا من أهل العراق قدموا على معاوية فيهم صعصعة بن صوحان ، فقال لهم معاوية : مرحبا بكم وأهلا قدمتم خير مقدم ، قدمتم على خليفتكم وهو جنّة لكم ، وقدمتم أرضا بها قبور الأنبياء ، وقدمتم الأرض المقدّسة ، وأرض المحشر ، فقال صعصعة : أما قولك : مرحبا بكم وأهلا ، فذاك من قدم على الله ، والله عنه راض ، وأمّا قولك : قدمتم على خليفتكم وهو جنّة لكم فكيف لنا بالجنّة إذا احترقت ، وأما قولك : قدمتم الأرض المقدّسة ، فإنها لا تقدس كافرا ، وأمّا قولك : قدمت الأرض المحشر ، فإنه لا يضر بعدها مؤمنا ، ولا ينفع قربها كافرا ، قال : اسكت لا أرض لك ، قال : ولا لك يا معاوية ، إنما الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، قال : أما والله لقد كنت أبغض أن أراك خطيبا ، قال : وأنا والله لقد كنت أبغض أراك خليفة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ، نا السري بن يحيى ، نا شعيب بن إبراهيم ،
__________________
(١) الأصل : صلبيا.
(٢) الأصل : البناني.