يمتنعوا في الجاهلية والناس تأكل بعضهم بعضا إلّا بالله الذي لا يستبدل من أعزّ ولا يوضع من رفع ، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم ، هل تعرفون عربا أو عجما أو سودا (١) أو حمرا إلّا قد أصابه الدهر في حرمته وبلده بدولة إلّا ما كان من قريش ، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلّا جعل الله يعلي خده الأسفل حتى أراد الله أن ينفذ من أكرم واتبع دينه من هوان الدنيا وسوء مردّ الآخرة فارتضى لذلك خبر خلقه ، ثم ارتضى له أصحابا ، فكان خيارهم قريش (٢) ، ثم بنى هذا الملك عليهم ، وجعل هذه الخلافة فيهم ، فلا يصلح ذلك إلّا عليهم ، فكان الله تعالى يحوطهم في الجاهلية ، وهم على غير دينه ، من سلم أفترى أنه لا يحوطهم وهم على دينه منكم ، وقد حاطهم في الجاهلية من الملوك الذين كانوا يدينونكم ، أف لك ، وأف لأصحابك ، ولو أن متكلما غيرك لفسرت له ، ولكنك ابتدأت أنت يا صعصعة ، فإن قريتك أشد قرى عربية أنتنها نبتا ، وأعمقها واديا (٣) ، وأعرفها بالشرّ وألأمها جيرانا لم يسكنها شريف ولا وضيع إلّا شب وكانت عليه هجنة ، ثم كانوا أقبح العرب ألقابا وأخلفه اسما وألأمه أصهارا ، نزّاع الأمم وأنتم جيران الخط وفعلة فارس ، حتى أصابتهم دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم ، ونكبتك دعوته وأنت نزيع شطير في عمان ، لم تسكن البحرين فيشركهم في دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم فأنت شر قومك ، حتى إذا أبرزك للإسلام وخلطك بالناس ، وحملك على الأمم التي كانت عليك أقبلت تبغي دين الله عزوجل عوجا ، وتنزع إلى الكمة والقلّة ، ولا يضع ذلك قريشا ولن يضرهم ولن يمنعهم من ناديهم (٤) ما عليهم ، إن الشيطان عنكم غير غافل ، وقد عرفكم بالشرّ من بين أمتكم ، فأغرى بكم الناس ، وهو صارعكم ، لقد علم أنه لا يستطيع أن يردّ بكم قضاء قضاه الله عزوجل ، ولا (٥) أمرا أراده الله ، ولا تدركوا بالشر أمرا أبدا إلّا فتح الله عزوجل عليكم شرا منه وأخزى ، ثم قام وتركهم فتدامرت وتقاصرت إليهم أنفسهم.
أخبرنا أبو غالب الماوردي ، أنا أبو الحسن السّيرافي ، أنا أحمد بن إسحاق ، نا أحمد بن عمران ، نا موسى بن زكريا ، نا خليفة بن خياط (٦) ، قال : وقال أبو عبيدة في
__________________
(١) بالأصل : «سوادا» والصواب عن الطبري.
(٢) كذا ، والصواب : قريشا.
(٣) عن الطبري وبالأصل : وأدواها.
(٤) كذا ، وفي الطبري : «تأدية ما عليهم» وهو أشبه.
(٥) بالأصل : أمر.
(٦) تاريخ خليفة ص ١٩٥.