والأمراض فهلك منها ، ولا سيما في لبنان ، من الجوع فقط نحو ١٢٠ ألفا ، ومثل هذا العدد هلك بالحميات ولا يقل الهالكون من أبناء الشام عن ثلاثمائة ألف إنسان مدة أربع سنين.
وفي الحق أنه لم يقع حرب جدية في الشام ، بل كان أبناؤه يساقون كسائر العثمانيين إلى الجبهات الأخرى ، والجبهة الوحيدة التي كانت بجوار الشام جبهة الإسماعيلية فلم تنشب الحرب حتى ندب الاتحاديون أحد كبار رجالهم أحمد جمال باشا ناظر البحرية العثمانية إذ ذاك قائدا على الجيش الرابع ، وكانت منطقته تمتد من أقاصي حدود أذنة إلى المدينة المنورة ، وأخص أعماله أن يشاغل البريطانيين في حدود مصر ليضطروا إلى وضع قوة مهمة من جيشهم في ترعة السويس ، تخفف عن الدولة في چناق قلعة من جيش الحلفاء ، وعن عاتق الألمان في الجبهة الغربية بين الحدود الألمانية والفرنسية ، وهذا تدبير ألماني صرف وقد نجح بمشاغلة البريطانيين وإشغال أذهان قوادهم ، فوضعوا على الترعة وفي حدود سينا جيشا عرمرما اتقاء جيوش الترك والألمان.
وكان بعضهم يعتقدون أن افتتاح مصر والتغلب على البريطانيين في الترعة من الأمور السهلة ، لأن المصريين يقومون في الحال بثورة على البريطانيين عندما تتراءى لهم أعلام العثمانيين المحبوبة في وادي النيل. قال سفير أميركا في مذكراته : وكان جمال باشا ناظر البحرية وأحد الثلاثة الذين يديرون دفة الملك في تركيا ذاهبا إلى الشام ليتسلم قياة الجيش الرابع ، وكان الجيش يحييه ويهتف له بأنه مخلّص مصر ، فأعلن جمال باشا على رؤوس الأشهاد قبل سفر القطار من الإستانة ، أنه عقد النية أنه لا يرجع إلى الإستانة قبل افتتاح مصر. قال : لم أكد أرى ذلك المشهد الفخم حتى رجعت بي مخيلتي تطوي الأعوام والقرون إلى أن استقرت في تاريخ رومية على مشهد يشبه ما رأيته في القرن. العشرين ألا وهي حفلة وداع مرقس أنطونيوس حين غادر رومية ليخضع الشرق ، فكانت تركيا مثل رومية في ذلك الوقت في دور الانحطاط والانحلال ، فرأى جمال باشا أن يبذل جهده لعله يتمكن من أن يصير حاكما على ولاية غنية ، وكان يؤمل أنه إن أفلح بافتتاح مصر ينال شهرة عالمية واسعة ا ه.
جاء جمال باشا إلى الشام وقبض على زمام القوة وأكثر الأحكام فيها ،