بأدنى إهانة فهو مستعد أن يعمل أضعافه مع الأتراك الذين في أسره ، فكفّ الاتحاديون عن القتل ، وأطلقوا سراح السجناء مرغمين ، بعد أن عذبوهم أنواع العذاب ، فعدّ ذلك من حسنات الملك حسين ، ولقد آلم الاتحاديون قلوب السوريين بقتل طبقة مهمة من الشبان والكهول والشيوخ ، ونفي النساء والأطفال إلى الولايات التركية ، ومع هذا لم تقصر الشام في تقديم أبنائها للحرب جندا ، ولا أموالها وعروضها لمعاونة الجيش ، ولا أرزاقها وحيواناتها وذخائرها لخدمته ، فحنق على الدولة من كان يريد انتصارها ، وتأصلت العداوة بين الترك والعرب ، وما كانت العداوة في الحقيقة إلا بين دعاة الاتحاديين والمستنيرين من العرب ، حتى لا يبقى بعد الحرب رجال يستطيعون أن يرفعوا أصواتهم بمطالبة الدولة بشيء من الإصلاح.
ومنذ نادى الملك حسين باستقلال الحجاز أخذ الضباط العرب وغيرهم من العراقيين والشاميين واليمانيين ممن وقعوا في أسر دول الحلفاء ، أو كانوا في خدمة الجيش التركي على مقربة من الحجاز أو في الجهات البعيدة كالقفقاس ينضمون إلى جيش الحجاز العربي فألفوا جيشا لا بأس به يرجع إلى نظام في الجملة ، وهذا الجيش هو الذي قاتل الترك في الشام ، وأوقع الشغب في الفيالق التركية ، وفت في عضد الدولة العثمانية في بوادي الحجاز ، وساعده ما كان ينهال من الأموال الإنكليزية التي استمال بها ملك الحجاز والقواد أولاده الأربعة العربان في الشام والحجاز ، وتسرب قسم منها إلى كبار الضباط من أبناء العرب ، وكان لجمعية العهد يد طولى في التحاق ضباط العرب بصاحب الحجاز وهذه الجمعية كانت مؤلفة من ضباط العرب في الدولة كما كان مثل ذلك لجمعية الفتاة العربية التي ألفت في باريز قبل الحرب بنحو خمس سنين من المفكرين من أبناء العرب وخصوصا الشاميين ، وضمت إليها بعض الأعيان والمفكرين وفي مقدمتهم أنجال شريف مكة وأبلغوا والدهم قرارهم وامتدت دعوتهم إلى جبل الدروز.
وقدر بعض الواقفين عدد من انضم من البدو إلى الجيش العربي في جميع الجهات بما يناهز المئة ألف والعسكر النظامي لا يتجاوز الخمسة آلاف. وقال بعضهم : إن البدو لم يتجاوزوا السبعين ألفا يكثرون ويقلون بحسب الحاجة ،