فرنسا سوى قتل بعض أبنائها ، وكذلك خسرت الشام خسارة الضعيف مع القوي. ونابليون وإن عدّوه نابغة القواد في عصره أخطأ كثيرا في توسعه في فتوحه. وفتحه الشام ومصر من جملة خطيئاته ، ولم تربح أمته من حملتها على هذين القطرين إلا نشر مدنيتها على أيدي من استصحبهم نابوليون معه من العلماء والمهندسين والطبيعيين ، وكانت مصر مباءة علمهم وعبقريتهم.
وقد آخذ صاحب تاريخ الدولة العلية القائد بونابرت بأنه ارتكب قبل مغادرته يافا أمرا شنيعا لم يسبق في التاريخ وهو قتله الجرحى والمرضى من عساكره حتى لا يعوقوه في سيره. وفي تاريخ فلسطين أن جنود الجزار في يافا يوم نابوليون كانت مؤلفة من عرب وأتراك ومغاربة وأرناؤد وأكراد وجركس ، فانسحبوا لما فتحها نابوليون إلى بعض الخانات وأبوا التسليم قبل أن يؤمنهم على حياتهم فأجابهم القائد الفرنسي إلى طلبهم فاستأمن له أربعة آلاف شخص فساقهم إلى المعسكر. ولما رآهم نابوليون سأل قائده عن هذه الجموع المحتشدة فأخبره أنها حامية المدينة التي سلمت إليه أمانا وقبلهم حقنا للدماء فبهت وحار في أمره وقال : ماذا تريدون أن أفعل بهذا العدد أعندكم زاد يكفيهم ألكم مراكب تنقلهم إلى مصر أو فرنسا ؛ ومن يتولى خفارتهم إذا أرسلناهم؟ يجب أن تعطوا الأمان إلى الأطفال والنساء والشيوخ لا للرجال الأشداء المقاتلين ، ثم استشار ضباطه في قتلهم فخالفوه ولكنه أصر على رأيه وأمر بهم فقتلوا رميا بالرصاص في ١٠ آذار سنة ١٧٩٩ ا ه.
ويقول مشاقة : إن بونابرت أمر قبل أن يغادر يافا إلى عكا بقتل الأسرى الذين وقعوا في قبضته ثلاثا : في العريش وفي غزة وفي يافا ، وكان يطلق سراحهم كل مرة بعد أن يأخذ عليهم العهود أن لا يعودوا إلى قتاله ، ولما أسرهم هذه المرة وعددهم يربو على ثلاثة آلاف حنق عليهم وعلم أنهم لا يراعون ذمة ولا يحترمون الشرف العسكري ، فأمر جنوده بإطلاق النار عليهم ولم يواروهم التراب ، وبقيت أجسامهم طعاما للطيور ، وظلت رفاتهم مكشوفة مدة ا ه. وهذا السبب معقول وله من القوانين الحربية ما يشفع به بعض الشيء أكثر من الرواية الأولى. وانتقد مسترمان على نابوليون ذبحه حامية يافا وكانت مؤلفة من أربعة آلاف أرناؤدي ووضعه السم لجنوده لدن عودته لأنهم أصيبوا