أنهم أجهزوا على الجرحى الوطنيين أيضا وحفروا قبورهم بأيديهم قبل أن يرموا بالرصاص. وترك الجيش العربي في ساحة الحرب ١٥ مدفعا قيل إن بعضها كان معطلا قبل أن ينصب في أماكنه و ٤٠ رشاشا وذخائر كثيرة. حدثني ثقة زار ساحة ميسنون غداة الوقعة رواية عن ضابط سنغالي برتبة وكيل أن قتلى الوطنيين في ميسنون من ١٢٠٠ إلى ١٥٠٠ وأنه قال له الضابط : أقسم بالله أنه لم يلوث أحد السنغاليين يده بدم أحد من الوطنيين. قال محدثي : إن كل من رآهم مجدلين من قتلى الجيش الداخل هم من السنغاليين ليس فيهم أحد من الجنس الأبيض.
وعاد المنهزمون من ساحة الحرب فدخل الجيش الفرنسي من الغد إلى دمشق (٢٥ تموز) وأبلغ رئيس البعثة الفرنسية الكولونيل تولا الملك فيصل أن يغادر دمشق عملا بقرار حكومة الجمهورية بأسرع ما يستطاع في السكة الحديدية الحجازية مع عائلته وبطانته على قطار خاص أعارته إياه فأذعن ، وعين قبيل رحيله علاء الدين الدروبي رئيس وزارة على أن يختار بنفسه من يشاء من الوزراء ، أعطاه تقليد الوزارة قبل سفره ليملأه بالوزراء الذين يختارهم دليل الثقة به. فلم يلبث أن ألف وزارته ومن الغد ألقى خطابا في دار الحكومة حط فيه من كرامة ولي نعمته الملك فيصل فاشمأز أرباب الوفاء من مصانعته ، ولم يلبث أن أرسل إليه برقية يقول فيها : إن السلطة العسكرية تبلغ جلالتكم أنها تطلب خروجكم من حوران وأنها وضعت تحت أمركم قطارا فإن لم تفعلوا ضربت قنابل طياراتها قرى حوران.
سقطت دمشق يوم ٢٤ تموز بعقب وقعة ميسنون ، وسقطت حلب يوم ٢٣ بيد الجنرال دي لا موت عقب مناوشة طفيفة ، وحمص وحماة يوم ٢٨ منه بدون صعوبة فقبضت فرنسا على قياد المدن الأربع وحكم الديوان الحربي الفرنسي على ٥٨ رجلا من الوطنيين أكثرهم من حاشية الملك وبعضهم من أهالي جبل عامل وتركت الحكومة المنتدبة لهم المجال حتى انهزموا ، ومنهم من لحق بالملك ومنهم من سار إلى شرقي الأردن أو فلسطين أو مصر.
لم يسمع للعقلاء رأي قبيل هذه الحوادث ، وكثير منهم كان يكتم فكره لئلا يرمى بضعف الوطنية ، ومنهم من لم يسعهم السكوت فصرحوا وأوذوا