على السّفرة نهض شيخ الأصناف ، ورفع كأسه ، وكلّف المدعوين أن يشربوا كأس الهناء بسرّ سعادة السلطان ، فنهض الجميع ، وحبّذوا السيد ثانيا وثالثا ، وشربوا اقداح الصفاء ، وهم يدعون لسعادته بطول العمر والإقبال. وفي أثناء ذلك أو عز السيد إلى خليله جرجس باجر الفقيه أن يشكر لرئيس اللجنة وللحاضرين على مكارمهم. فنهض الفقيه المومأ إليه وخطب خطبة وجيزة قال فيها ما ملخصه :
" أيها السادات الأماجد قد أو عز إليّ السيد أن أشكر لكم عن لسان سعادته ، وأقول إن تذكار هذه الوليمة لن يبرح من باله عمره بطوله. وقد أحيط علما بأن لجنتكم هذه قديمة عهد ، قد ذكرها أكبر شعرائكم شكسبير الخنذيذ (١) ، وأنكم قد عانيتم كل العناء في توسيع نطاق التجارة البريطانية شرقا وغربا. ولكن يأسف السلطان كل الأسف على أنّ مساعيكم الحميدة لم تصل بعد إلى بلاده السعيدة. ولهذا يطلب إلى عمدة هذه اللجنة القابضين على زمام تجارة واسعة في الممالك البريطانية أن يصرفوا عنان العناية إلى إدخال أسباب التجارة إلى بلاده أيضا ، وهو لا يقصّر عن مدّ يد المساعدة لهم في كل ما تمسّ إليه الحاجة لتوسيع نطاق الحضارة في أفريقية".
فلما قال الفقيه المومأ إليه هذا حبّذه جميع السامعين.
ثم استتلى كلامه (٢) وقال : " لا يخفى على سعادة السيد أن تجّار الإنكليز أصحاب همة عالية. يقتحمون جميع المصاعب. ويخوضون البحار. ويطوفون القفار. ويحملون أسباب الحضارة والتجارة إلى أقاصي الأرض بأسرها. ولهذا له ثقة تامة بهمتكم ـ أيها السادات العمدة الكرام ـ أن تسعوا في نجاح تلك البلاد التي جعلها الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ تحت ولاية سعادته وتبذلوا الهمّة في إصلاح شأن أولئك الناس الخاضعين لصولجان حكمه".
ولما نطق الفقيه بهذا الكلام قاطعه الحاضرون وقالوا : " حبّذا! حبّذا! "
__________________
(١) الخنذيذ : ساقط في ب
(٢) ب : استطرد