ثم خرجوا من هناك ، ودخلوا بسعادته إلى معمل البواريد (١) والمكاحل. وكانت رايات جميع الدول منصوبة على سطحه ، وراية الدولة الزنجبارية تخفق بينها. وكانت درج المدخل مفروشة برايات الدولة البريطانية ، فسار السيد وحشمه ، ومشوا فوقها.
ولما دخلوا المخدع رأوه مزينا بالأسلحة والمكاحل ، فقال واحد من حشم السيد : " إني أرى هذا المكان كأنه بارجة حربية! " فقال السيد : " وقد طرقني هذا الفكر بعينه". ثم خرجوا من هناك وساروا إلى مخزن عدد الخيل وسروجها وما نيط بها. وكانت كلها موضوعة بترتيب حسن ونظام جميل يرتاح إليه الناظر. وفيما كان السيد سائرا في صحن ذلك المخدع كان نحو مائة نفس من الرجال والنساء والأولاد مصطفين عن يمينه وشماله (٢) فلاحت منه التفاتة إلى بعض من البنات الصغار وكن لابسات ملابس بيضاء زادتهن حسنا وجمالا فوقف السيد ـ أعزه الله ـ والتفت إلى من كان إلى جانبه ، وأشار بيده إلى الفتيات ، وقال : " يا للعجب كل العجب اني أرى ملائكة السلام تجول في عرصات الحرب ، وهي آمنة ، لا خوف عليها". ثم طلب السيد بلطفه المعهود أن يحضروا إليه أولئك الفتيات ، فأحضروهن إليه. وكنّ على جانب عظيم من الحشمة والأدب والتهذيب ، وأخذت كل منهن تصافح يد سعادته بيدها اللطيفة (٣) ، وتسلّم عليه بلغتها الإنكليزية ، وماء الملاحة يقطر من شفتيها العذبتين (٤) ، فتبسّم السيد في وجههن بأنس وسرور ، ودعا لهنّ بطول العمر والإقبال. فشكرن سعادته لطفه وعلى ما حزن من الشرف العظيم (٥) من لدن مكارمه. ثم انصرفن إلى أبويهنّ وهنّ يطربن فرحا (٦).
__________________
(١) مفرده بارود
(٢) ب : يساره
(٣) بيدها اللطيفة : ساقط في ب
(٤) وماء الملاحة ... العذبتين : ساقط في ب
(٥) أ : الوسيم
(٦) ب : إلى آبائهن وهن طربات فرحات