ثم ساروا بالسيد ورجاله إلى بستان مجمع الحيوانات ، وفرّجوهم على ما في ذلك البستان من الحيوانات الغريبة. والبستان في مكان يسمّى الجزيرة ، وفيه قصر للخديو جميل البناء مزيّن بالأثاث الفاخر والأسرّة والكراسي والموائد المموّهة بالذهب وقناديل وثريّات ثمينة ومرايا كبيرة (١). وفي البستان حيوانات من كل الأصناف ، وكان بينها جاموس ذكر عجيب الخلقة ذو ستّ قوائم : اثنتان من قدام وأربع من وراء ، بخلقة كاملة. وهذا من فلتات الطبيعة.
ولما كان اليوم الثاني عشر (١٧ أغسطس) ساروا بالسيد إلى دار التّحف (٢) ، وفرّجوه على الأصنام القديمة التي وجدوها تحت الأرض من عهد قدماء المصريين والفراعنة. وهذه الأصنام ـ مع كثرة عددها وعظم صورها ـ أمر يفوق الوصف ويتجاوز التقدير. وكذلك إتقان أشكالها وإحكام هيآتها والمحاكاة بها الأمور الطبيعية فموضع التعجب بالحقيقة. فمن ذلك صنم ارتفاعه سوى (٣) قاعدته نيف وثلاثون ذراعا. ومداه من جهة على تلك النسبة. وهو حجر واحد من الصّوان الأحمر ، وعليه من الدّهان كأنه لم يزده تقادم الأيام إلا جدّة.
والعجب كل العجب كيف حفظ فيه ـ مع عظمه ـ النظام الطبيعي والتناسب الحقيقي الذي عنه يحصل حسن الهيئة وملاحة الصورة. وقد أحكم في هذه الأصنام إحكاما وأي إحكام! فمن ذلك مقادير الأعضاء في نفسها. ثم نسب بعضها إلى بعض. فإنك ترى الصنم قد ابتدأ بانفصال صدره عن عنقه عند الترقوة بتناسب بليغ. ثم يأخذ الصدر بارتفاع الترائب إلى الثندوتين ، فيرتفعان عمّا دونها ويفرزان عن سائر الصدر بنسبة عجيبة ، ثم يعلوان إلى حد الحلمة.
__________________
(١) كان الخديوي اسماعيل مغرى بمحاكاة قصور أوروبا وحدائقها ونمط حياتها مما أدى إلى ديون عريضة. الطعمي : معجم : ص ٧٩ وما بعدها
(٢) أسسها إسماعيل باشا مع جمعية جغرافية (تقليدا للجمعية الجغرافية الملكية في بريطانيا) تحت رئاسة عالم الآثار الفرنسي ماريات (Mariette Pasha). زكي : موسوعة ص ٢٢٦. فصل : Ismail Pacha (أعلاه)
(٣) ب : عند