وتسعين ، ثم بنى المتوكل فيها مقياسا في أوّل سنة سبع وأربعين ومائتين في ولاية يزيد بن عبد الله التركيّ على مصر. وهو المقياس الكبير المعروف بالجديد وأمر بأن يعزل النصارى عن قياسه ، فجعل يزيد بن عبد الله التركيّ على المقياس أبا الردّاد المعلم واسمه : عبد الله بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي الردّاد المؤذن. كان يقول القميّ : أصله بالبصرة قدم مصر وحدث بها وجعل على قياس النيل ، وأجرى عليه سليمان بن وهب صاحب خراج مصر يومئذ سبعة دنانير في كل شهر فلم يزل المقياس من ذلك الوقت في يد أبي الردّاد وولده إلى اليوم ، وتوفي أبو الردّاد سنة ست وستين ومائتين.
ثم ركب أحمد بن طولون سنة تسع وخمسين ومائتين ، ومعه أبو أيوب صاحب خراجه ، وبكار بن قتيبة القاضي فنظر إلى المقياس ، وأمر بإصلاحه وقدّر له ألف دينار فعمرو بني الحارث في الصناعة مقياسا وأثره باق لا يعتمد عليه.
وقال ابن عبد الحكم : ولما فتح عمرو بن العاص مصر ، أتى أهلها إلى عمرو حين دخل بؤنة من أشهر العجم ، فقالوا له : أيها الأمير إن لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها. فقال لهم : وما ذاك؟ قالوا : إنه إذا كان لثنتي عشرة ليلة تخلو من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها ، فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها من الحليّ والثياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في النيل. فقال لهم عمر : وإن هذا لا يكون في الإسلام ، وإن الإسلام يهدم ما كان قبله ، فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى ، وهو لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء ، فلما رأى عمرو ذلك كتب إلى عمر بن الخطاب رضياللهعنه بذلك فكتب إليه عمر : أن قد أصبت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وقد بعثت إليك ببطاقة ، فألقها في داخل النيل إذا أتاك كتابي. فلما قدم الكتاب إلى عمرو فتح البطاقة فإذا فيها : من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر ، أما بعد : فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك ، فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك. فألقى عمرو البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم ، وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج منها لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل ، وأصبحوا يوم الصليب ، وقد أجراه الله تعالى ستة عشر ذراعا في ليله ، وقطع تلك السنة السوء عن أهل مصر.
وذكر بعضهم : أن جاحلا الصدفيّ هو الذي جاء ببطاقة عمر رضياللهعنه إلى النيل حين توقف ، فجرى بإذن الله تعالى. وقال يزيد بن أبي حبيب : أن موسى عليهالسلام دعا على آل فرعون ، فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء ، فطلبوا إلى موسى أن يدعو الله ، فدعا الله رجاء أن يؤمنوا ، وذلك ليلة الصليب ، فأصبحوا ، وقد أجراه الله في تلك الساعة ستة عشر ذراعا ، فاستجاب الله بطوله لعمر بن الخطاب كما استجاب لنبيه موسى عليهالسلام. قال القضاعي : ووجدت في رسالة منسوبة إلى الحسن بن محمد بن عبد المنعم ، قال : لما