عن آخره بلا سوط ولا عصا ، فولاه الخراج ، وصرف ليث بن الفضل عن صلاة مصر ، وخراجها ، وفي ولاية الحسين بن جميل امتنع أهل الحوف من أداء الخراج ، فبعث أمير المؤمنين هارون الرشيد يحيى بن معاذ في أمرهم فنزل بلبيس في شوال سنة إحدى وتسعين ومائة ، وصرف الحسين بن جميل عن أمارة مصر في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وولى مالك بن دلهم ، وفرغ يحيى بن معاذ من أمر الحوف ، وقدم الفسطاط في جمادى الآخرة ، فورد عليه كتاب الرشيد ، يأمره بالخروج إليه فكتب إلى أهل الحوف : أن اقدموا حتى أوصي بكم مالك بن دلهم ، وأدخل بينكم وبينه في أمر خراجكم ، فدخل كل رئيس منهم من اليمانية والقيسية ، وقد أعدّ لهم القيود فأمر بالأبواب ، فأخذت ثم دعا بالحديد ، فقيدهم وتوجه بهم للنصف من رجب منها.
وفي أمارة عيسى بن يزيد الجلوديّ على مصر ظلم ، صالح بن شيرزاد عامل الخراج الناس ، وزاد عليهم في خراجهم ، فانتقض أهل أسفل الأرض وعسكروا ، فبعث عيسى بابنه محمد في جيش لقتالهم ، فنزل بلبيس ، وحاربهم فنجا من المعركة بنفسه ، ولم ينج أحد من أصحابه وذلك في صفر سنة أربع عشرة ومائتين ، فعزل عيسى عن مصر.
وولى عمير بن الوليد التميميّ فاستعدّ لحرب أهل الحوف ، وسار في جيوشه في ربيع الآخر ، فزحفوا عليه واقتتلوا ، فقتل من أهل الحوف جمع وانهزموا ، فتبعهم عمير في طائفة من أصحابه ، فعطف عليه كمين لأهل الحوف ، فقتلوه لست عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر.
فولى عيسى الجلودي ثانيا ، وسار إليهم فلقيهم بمنية مطر فكانت بينهم وقعة آلت إلى أن انهزم منهم إلى الفسطاط ، وأحرق ما ثقل عليه من رحله ، وخندق على الفسطاط وذلك في رجب ، وقدم أبو إسحاق بن الرشيد من العراق فنزل الحوف ، وأرسل إلى أهله فامتنعوا من طاعته ، فقاتلهم في شعبان ودخل وقد ظفر بعدة من وجوههم إلى الفسطاط في شوال ، ثم عاد إلى العراق في المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين بجمع من الأسارى. فلما كان في جمادى الأولى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد ، وقبطها وأخرجوا العمال ، وخلعوا الطاعة لسوء سيرة عمال السلطان فيهم ، فكانت بينهم وبين عساكر الفسطاط حروب امتدّت إلى أن قدم الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خلون من المحرّم سنة سبع عشرة ومائتين ، فسخط على عيسى بن منصور الرافقي ، وكان على أمارة مصر وأمر بحل لوائه ، وأخذه بلباس البياض عقوبة له. وقال : لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك ، حملتم الناس ما لا يطيقون ، وكتمتني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطرب البلد.
ثم عقد المأمون على جيش بعث به إلى الصعيد ، وارتحل هو إلى سخا ، وبعث