أحمد بن طولون في العمارة ، وبالغ فيها ، فعقدت معه أربعة آلاف ألف دينار وثلثمائة ألف دينار، وجباها ابنه الأمير أبو الجيش ، خمارويه بن أحمد أربعة آلاف ألف دينار مع رخاء الأسعار أيامئذ ، فإنه ربما بيع في الأيام الطولونية القمح كل عشرة أرادب بدينار.
وذكر ابن خرداذبه أن خراج مصر في أيام فرعون ، كان ستة وتسعين ألف ألف دينار ، وأن ابن الحبحاب ، وجباها ألفي ألف وسبعمائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وتسعة وثلاثين دينارا ، وهذا وهم منه ، فإن هذا القدر هو ما حمله إلى بيت المال بدمشق بعد أعطية أهل مصر ، وكلفها قال : وحمل منها موسى بن عيسى الهاشميّ ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار ، يعني بعد العطاء والمؤن وسائر الكلف ، قال : وكان خراج مصر إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع أربعة آلاف ألف دينار ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار ، والمقبوض عن الفدّان دينارين في خلافة المأمون وغيره.
وبلغ خراج مصر في أيام الأمير أبي بكر محمد بن طغج الإخشيد ألفي ألف دينار سوى ضياعه التي كانت ملكا له والإخشيد أوّل من عمر الرواتب بمصر ، وكان كاتبه ، ابن كلا ، قد عمل تقديرا عجز فيه المرتب عن الارتفاع مائتي ألف دينار ، فقال له الإخشيد : كيف نعمل؟ قال : حط من الجرايات والأرزاق فليس هؤلاء أولى من الواجب ، فقال : غدا تجيئني ، وتدبر هذا ، فلما أتاه من الغد قال له الإخشيد : قد فكرت فيما قلت فإذا أصحاب الرواتب الضعفاء ، وفيهم المستورون وأبناء النعم ، ولستت آخذ هذا النقص إلا منك ، فقال ابن كلا : سبحان الله! فقال : تسبيحا ، وما زال به الإخشيد حتى أخذ خطه بالقيام بذلك ، فعوتب على ما صنعه ، فقال : يا قوم اسمعوا إيش كان يعمل؟ جاءه أحمد بن محمد بن المارداني فقال له : ما بيني وبين السلطان معاملة ، ولا للإخشيد عليّ طريق ، وهذه هدية عشرة آلاف دينار للإخشيد وألف دينار لك ، فجاءني ، وقال لك قبل ابن المارداني مطالبة ، فقلت : لا ، فقال : هذه ألف دينار قد جاءتك على وجه الماء ، فأعطاني ألفا وأخذ عشرة آلاف دينار ، وأهدى إليّ محمد بن عليّ المارداني في وقت عشرين ألف دينار على يده فاستقللتها ، فلما اجتمعنا عاتبته فقال لي : أرسلت إليك مائة ألف دينار ولابن كلا كاتبك عشرين ألف دينار ، فأخذ المائة وأعطاني العشرين ألفا ، فذكرت قول محمد بن عليّ له ، فقال : ما أبرد هذا! حفظت لك المائة ألف لوقت حاجتك تريدها خذها ، وأنا أعلم أنك تتلفها.
وبلغت الرواتب في أيام كافور الإخشيدي ، خمسمائة ألف دينار في السنة لأرباب النعم والمستورين وأجناس الناس ليس فيهم أحد من الجيش ، ولا من الحاشية ، ولا من المتصرّفين في الأعمال ، فحسن له عليّ بن صالح الروذبادي الكاتب ، أن يوفر من مال الرواتب شيئا ينتقصه من أرزاق الناس ، فساعة جلس يعمل حكه جبينه ، فحكه بقلمه