والحكاك يزيد به إلى أن قطع العمل ، وقام لما به ، فعولج حينئذ بالحديد حتى مات في رمضان سنة سبع وأربعين وثلثمائة ، وهذه موعظة من الله لمن توسط للناس بالسوء ، قال تعالى : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر / ٤٣].
ولما مات كافور نزلت محن شديدة كثيرة بمصر من الغلاء والفناء والفتن ، فاتضع خراجها إلى أن قدم جوهر القائد من بلاد المغرب بعساكر مولاه ، المعز لدين الله أبي تميم معدّ ، فجبى الخراج لسنة ثمان وخمسين وثلثمائة ثلاثة آلاف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ونيفا ، وأمر الوزير الناصر للدين أبو الحسين عبد الرحمن اليازوري وزير مصر ، في خلافة المستنصر بالله بن الظاهر أن يعمل قدر ارتفاع الدولة ، وما عليها من النفقات ، فعمل أرباب كل ديوان ارتفاعه ، وما عليه وسلّم الجميع لمتولي ديوان المجلس ، وهو زمام الدواوين ، فنظم عليه عملا جامعا وأتاه به ، فوجد ارتفاع الدولة ألفي ألف دينار منها ، الشام ألف ألف دينار ، ونفقاته بإزاء ارتفاعه ، والريف وباقي الدولة ألف ألف دينار. قال القاضي أبو الحسن في كتاب المنهاج في علم الخراج : وقفت على مقايسة عملت لأمير الجيوش ، بدر الجمالي (١) حين قدم مصر في أيام الخليفة المستنصر وغلب على أمرها ، وقهر من كان بها من المفسدين شرح فيها أن الذي اشتمل عليه الارتفاع في الهلاليّ لسنة ثلاث وثمانين وأربعمائة ، وفي الخراجيّ على ما يقتضيه الديوان فيه ، مما كان جاريا في الأعمال المصرية من الخراج ، وما يجري معه ، والمضمون والمقطع والمورد بغيره والمحلول بالقاهرة ومصر وضواحيهما وناحيتي الشرقية والغربية من أسفل الأرض ، وأعمالها وتنيس ودمياط وأعمالها والإسكندرية والبحيرة والأعمال الصعيدية العالية ، والدانية وواحات ، وعيذاب لسنة ثمانين وأربعمائة الخراجية على الرسوم المصرية ، وما كان من الأعمال الشامية التي أوّلها من حدّ الشجرتين ، وهو أوّل الأعمال الفلسطينية والأعمال الطبرابلسية ولسنة ثمان وسبعين وأربعمائة الخراجية على ما استقرّت عليه الجملة عينا ثلاثة آلاف ألف ومائة ألف دينار ، وإن الذي استقرّ عليه جملة ما كان يتأدّى في سنة ست وستين وأربعمائة الهلالية قبل نظر أمير الجيوش الموافقة لسنة ثلاث وستين وأربعمائة الخراجية ، فكان مبلغها ألفي ألف وثمانمائة ألف دينار ، وكان الزائد للسنة الجيوشية عما قبلها ثلثمائة ألف دينار ، مما أعرب عنه حسن العمارة ، وشمول العدل ، وكان نظم هذه المقايسة سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة.
وذكر ابن ميسر : أن الأفضل بن أمير الجيوش أمر بعمل تقدير ارتفاع ديار مصر ، فجاء خمسة آلاف ألف دينار.
__________________
(١) بدر الجمالي : ولد سنة ٤٠٥ ه أصله من أرمينية اشتراه ابن عمار وتقدم في الخدمة حتى ولي إمارة دمشق للمستنصر الفاطمي سنة ٤٥٥ ه ثم استدعاه إلى مصر وقلده وزارة السيف والقلم وأصبح أمير الجيوش ، توفي بالقاهرة سنة ٤٨٧ ه. الأعلام ج ٢ / ٤٥.