معمل المزر : أربعة وثمانون دينارا ؛ الفاخور بمصر والقاهرة : مائتان وستة وثلاثون دينارا.
وذكر ابن أبي طيّ : أن الذي أسقطه السلطان صلاح الدين والذي سامح به لعدّة سنين ، آخرها سنة أربع وستين وخمسمائة مبلغه عن نيف ألف ألف دينار وألفي ألف أردب ، سامح بذلك وأبطله من الدواوين ، وأسقطه عن المعاملين.
فلما ولي السلطان الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف ، أعاد المكوس وزاد في شناعتها.
قال القاضي الفاضل في متجدّدات سنة تسعين وخمسمائة ، وكان قد تتابع في شعبان أهل مصر والقاهرة في إظهار المنكرات ، وترك الإنكار لها ، وإباحة أهل الأمر والنهي لها ، وتفاحش الأمر فيها إلى أن غلا سعر العنب لكثرة من يعصره ، وأقيمت طاحون بحارة المحمودية لطحن حشيش المزر (١) ، وأفردت برسمه وحميت بيوت المزر ، وأقيمت عليها الضرائب الثقيلة ، فمنها ما انتهى أمره في كل يوم إلى ستة عشر دينارا ، ومنع المزر البيوتي ليتوفر الشراء من البيوت المحمية ، وحملت أواني الخمر على رؤوس الأشهاد ، وفي الأسواق من غير منكر ، وظهر من عاجل عقوبة الله عزوجل ، وقوف زيادة النيل عن معتادها ، وزيادة سعر الغلة في وقت ميسورها.
وقال في متجدّدات سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ، وآل الأمر إلى وقوف وظيفة الدار العزيزية من خبز ولحم إلى أن يتحمل في بعض الأوقات لا كلها لبعض ما يتبلغ به من خبز ، وكثر ضجيجهم ، وشكواهم فلم يسمع. ووقف الحال فيما ينفق في دار السلطان ، وفيما يصرف إلى عياله ، وفيما يقتات به أولاده ، وما يغصب من أربابه ، وأفضى هذا إلى غلاء الأسعار ، فإنّ المتعيشين من أرباب الدكاكين يزيدون في أسعار المأكولات العامة بمقدار ما يؤخذ منهم للدار السلطانية ، فأفضى ذلك إلى النظر في المكاسب الخبيثة ، وضمن المزر والخمر باثني عشر ألف دينار.
وفسح في إظهار منكره والإعلان به والبيع له في القاعات والحوانيت ، مع قرب استهلال رجب ، وما استطاع أحد من العامة الإنكار لا باليد ولا باللسان ، وصار هذا السحت مما ينفرد السلطان به لنفقته وطعامه ، وانتقل مال الثغور ، ومال الجواليّ الحل الطيب إلى أن يصير حوالات لمن لا يبالي من أين أخذ المال ، ولا يفرّق بين الحرام والحلال ، وفي شهر رمضان : غلا سعر الأعناب لكثرة العصير منها ، وتظاهر به أربابه لتحكير تضمينه السلطانيّ ، واستيفاء رسمه بأيدي مستخدميه ، وبلغ ضمانه سبعة عشر ألف دينار ، وحصل منه شيء حمل إليه ، فبلغني أنه صنع به آلات للشراب ذهبيات وفضيات ، وكثر اجتماع
__________________
(١) المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب. الأعشى ٥ / ٢٦٥.