الثلمة فوجدوا الذهب الذي أصابوه لا يزيد على ما أنفقوه ، ولا ينقص فعجب من معرفتهم بمقدار ما ينفق عليه ، ومن تركهم ما يوازيه في الموضع عجبا عظيما ، وقيل : إن المطهرة التي وجد فيها الذهب كانت من زبرجد ، فأمر المأمون بحملها إلى خزانته ، وكان آخر ما عمل من عجائب مصر.
وأقام الناس سنين يقصدونه ، وينزلون فيه الزلاقة التي فيه ، فمنهم من يسلم ومنهم من يهلك ، فاتفق عشرون من الأحداث على دخوله ، وأعدّوا لذلك ما يحتاجون من طعام وشراب ، وحبال وشمع ونحوه ، ونزلوا في الزلاقة ، فرأوا فيها من الخفاش ما يكون كالعقبان يضرب وجوههم ، ثم إنهم أدلوا أحدهم بالحبال ، فانطبق عليه المكان ، وحاولوا جذبه حتى أعياهم فسمعوا صوتا أربعهم فغشي عليهم ، ثم قاموا وخرجوا من الهرم ، فبينما هم جلوس يتعجبون مما وقع لهم ، إذ أخرجت الأرض صاحبهم حيا من بين أيديهم يتكلم بكلام لم يعرفوه ، ثم سقط ميتا ، فحملوه ومضوا به فأخذهم الخفراء وأتوا بهم إلى الوالي فحدّثوه خبرهم ، ثم سألوا عن الكلام الذي قال صاحبهم قبل موته ، فقيل لهم : معناه : هذا جزاء من طلب ما ليس له ، وكان الذي فسر لهم معناه بعض أهل الصعيد.
وقال علي بن رضوان الطبيب : فكرت في بناء الأهرام ، فأوجب علم الهندسة العلمية ورفع الثقيل إلى فوق أن يكون القوم هندسوا سطحا مربعا ، ونحتوا الحجارة ذكرا وأنثى ، ورصوها بالجبس البحريّ إلى أن ارتفع البناء مقدار ما يمكن رفع الثقيل ، وكانوا كلما صعدوا ضموا البناء حتى يكون السطح الموازي للمربع الأسفل مربعا أصغر من المربع السفلانيّ ، ثم عملوا في السطح المربع الفوقانيّ مربعا أصغر بمقدار ما بقي في الحاشية ما يمكن رفع الثقيل إليه ، وكلما رفعوا حجرا مهندما رصوه إليه ذكرا وأنثى ، إلى أن ارتفع مقدار مثل المقدار الأوّل ، ولم يزالوا يفعلون ذلك إلى أن بلغوا غاية لا يمكنهم بعدها أن يفعلوا ذلك فقطعوا الارتفاع ، ونحتوا الجوانب البارزة التي فرضوها لرفع الثقيل ، ونزلوا في النحت من فوق إلى أسفل ، وصار الجميع هرما واحدا.
وقياس الهرم الأوّل : بالذراع التي تقاس بها اليوم الأبنية بمصر ، كل حاشية منه أربعمائة ذراع ، يكون بالذراع السوداء التي طول كل ذراع منها أربعة وعشرون أصبعا خمسمائة ذراع ، وذلك أن قاعدته مربع متساوي الأضلاع ، والزوايا ضلعان منهما ، على خط نصف النهار ، وضلعان على خط المشرق والمغرب ، وكل ضلع بالذراع السوداء خمسمائة ذراع ، والخط المنحدر على استقامة من رأس الهرم إلى نصف ضلع المربع أربعمائة وسبعون ذراعا ، يكون إذا تمم أيضا ، خمسمائة ذراع.
وأحيط بالهرم ، أربع مثلثات ومربع ، وكل مثلث منها متساوي الساقين ، كل ساق منه إذا تمم خمسمائة وستون ذراعا ، والمثلثات الأربعة تجتمع رؤوسها عند نقطة واحدة ، وهي