رأس الهرم إذا تمم فيلزم أن يكون عموده أربعمائة وثلاثين ذراعا ، وعلى هذا العمود مراكز أثقاله ، ويكون تكسير كل مثلث من مثلثاته : مائة وخمسة وعشرين ألف ذراع ، إذا اجتمع تكاسيرها كان مبلغ تكسير سطح هذا الهرم : خمسمائة ألف ذراع بالسوداء ، وما أحسب على وجه الأرض بناء أعظم منه ولا أحسن هندسة ولا أطول ، والله أعلم.
وقد فتح المأمون نقبا من هذا الهرم ، فوجد فيه زلاقة تصعد إلى بيت مربع مكعب ، ووجد في سطحه قبر رخام وهو باق فيه إلى اليوم ، ولم يقدر أحد يحطه ، وبذلك أخبر جالينوس ، أنها قبور. فقال في آخر الخامسة من تدبير الصحة بهذا اللفظ ، وهم يسمون ، من كان في هذا السن : الهرم ، وهو اسم مشتق من الأهرام التي هم إليها صائرون عن قريب.
وقال الحوقليّ في صفة مصر : وبها الهرمان اللذان ليس على وجه الأرض لهما نظير في ملك مسلم ولا كافر ولا عمل ولا يعمل لهما ، وقرأ بعض بني العباس على أحدهما : إني قد بنيتهما فمن كان يدّعي قوّة في ملكه فليهدمها ، فالهدم أيسر من البنيان ، فهمّ بذلك وأظنه المأمون أو المعتصم ، فإذا خراج مصر لا يقوم به يومئذ ، وكان خراجها على عهده بالإنصاف في الجباية وتوخي الرفق بالرعية والمعدلة إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعا وعشر أصابع ، أربعة آلاف ألف ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار ، والمقبوض على الفدّان ، دينارين ، فأعرض عن ذلك ولم يعد فيه شيئا.
وفي حدّ الفسطاط في غربيّ النيل أبنية عظام يكثر عددها مفترشة في سائر الصعيد تدعى : الأهرام ، وليست كالهرمين اللذين تجاه الفسطاط ، وعلى فرسخين منها ارتفاع كل واحد منهما : أربعمائة ذراع ، وعرضه كارتفاعه ، مبنيّ بحجارة الكدّان التي سمك الحجر ، وطوله وعرضه من العشر أذرع إلى الثمان بحسب ما دعت الحاجة إلى وضعه في زيادته ونقصه ، وأوجبته الهندسة عندهم لأنهما كلما ارتفعا في البناء ضاقا حتى يصير أعلاهما من كل واحد منهما مثل مبرك جمل ، وقد ملئت حيطانهما بالكتابة اليونانية ، وقد ذكر قوم أنهما قبران وليس كذلك ، وإنما حمل صاحبهما على عملهما أنه قضى بالطوفان أنه يهلك جميع ما على وجه الأرض إلا ما حصن في مثلهما ، فخزن ذخائره وأمواله فيهما ، وأتى الطوفان ، ثم نضب فصار ما كان فيهما إلى بيصر بن مصرايم بن حام بن نوح ، وقد خزن فيهما بعض الملوك المتأخرين وجعلهما هراءه ، والله أعلم.
وقال أبو يعقوب محمد بن إسحاق النديم (١) الوراق في كتاب الفهرست : وقد ذكر هرمس البابليّ قد اختلف في أمره فقيل : إنه كان أحد السدنة السبعة الذين رتبوا لحفظ البيوت السبعة ، وإنه كان لترتيب عطارد وباسمه سمي ، فإن عطارد باللغة الكلدانية : هرمس ،
__________________
(١) صاحب كتاب الفهرست من أقدم كتب التراجم وأفضلها ، وله كتاب آخر سمّاه : (التشبيهات) توفي سنة ٤٣٨ ه. الأعلام ج ٦ / ٢٩.