النيل ، فسار حتى بلغ خلف خط الاستواء ، ووقف على البحر الأسود الزفتي ، ورأى النيل يجري على البحر مثل الخيوط حتى يدخل تحت جبل القمر ، ويخرج منه إلى بطائح.
ويقال : إنه هو الذي عمل التماثيل التي هناك ، وعاد إلى أمسوس وقسم البلاد بين أولاده ، فجعل لابنه الأكبر واسمه : نقاوش الجانب الغربيّ ، ولابنه شورب الجانب الشرقيّ ، وبنى لابنه الأصغر واسمه : مصرايم مدينة برسان ، وأسكنه فيها ، وأقام ملكا على مصر مائة وثمانين سنة ، ولما مات لطخ جسده بأدوية ماسكة ، وجعل في تابوت من ذهب ، وعمل له ناوس مصفح بالذهب ، ووضع فيه ومعه كنوز وإكسير وأوان من ذهب لا يحصى ذلك لكثرته ، وزبروا على الناوس تاريخ موته ، وأقاموا عليه طلسما يمنعه من الحشرات المفسدة.
وملك بعده ابنه نقاوش بن نقراوش وكان كأبيه في علم الكهانة والطلسمات ، وهو أوّل من عمر بمصر هيكلا ، وجعل فيه صور الكواكب السبعة ، وكتب على هيكل كلّ كوكب منافعه ومضاره ، وألبسها كلها الثياب الفاخرة ، وأقام لها خدمة وسدنة ، وخرج من أمسوس مغرّبا ، حتى بلغ البحر المحيط ، وأقام عليه أساطين على رؤوسها أصنام تسرج عيونها في الليل ، ومضى على بلاد السودان إلى النيل ، وأمر ببناء حائط على جنب النيل ، وعمل له أبوابا يخرج منها الماء وبنى في صحراء الغرب ، خلف الواحات ثلاث مدن على أساطين مشرفات من حجارة ملوّنة شفافة ، وفي كل مدينة عدّة خزائن من الحكمة ، وفي إحداها صنم للشمس على صورة إنسان ، وجسد طائر من ذهب وعيناه من جوهر أصفر ، وهو جالس على سرير من مغناطيس ، وفي يده مصحف العلوم ، وفي إحداها صنم رأسه رأس إنسان بجسد طائر ، ومعه صورة امرأة جالسة قد عملت من زئبق معقود لها ذؤابتان في يدها مرآة ، وعلى رأسها صورة كوكب ، وقد رفعت المرآة بيديها إلى وجهها ، وفي إحداها مطهرة فيها سبعة ألوان من سائل يرد إليها ولا يغير بعضها لون بعض ، وفي بعضها : صورة شيخ جالس قد عمل من الفيروزج وبين يديه صبية جلوس كلهم من عقيق ، وفي بعضها صورة هرمس ، يعني عطارد ، وهو ينظر إلى مائدة بين يديه من نوشادر على قوائم من كبريت أحمر ، وفي وسطها صحفة من جوهر ، وجعل فيها صورة عقاب من زبرجد أخضر ، وعيناه من ياقوت أصفر ، وبين يديه حية زرقاء من فضة قد لوت ذنبها على رجليه ، ورفعت رأسها كأنها تنفخ عليه ، وجعل فيها صفة المرّيخ وهو راكب على فرس وفي يده سيف مسلول من حديد أخضر ، وجعل فيها عمودا من جوهر أحمر ، وعليه قبة من ذهب فيها صورة المشتري ، وجعل فيها قبلة من آنك على أربعة أعمدة من جزع أزرق ، وفي سقفها صورة الشمس والقمر متحاذيين في صورة رجل وامرأة يتحادثان ، وجعل فيها قبة من كبريت أحمر فيها صورة الزهرة على هيئة امرأة ممسكة بضفائرها ، وتحتها رجل من زبرجد أخضر في يده كتاب فيه علم من علومهم كأنه يقرأ فيه عليها.