وجعل في بقية الخزائن من كنوز الأموال والجواهر والحلي وإكسير الصنعة ، وصنوف الأدوية والسموم القاتلة ما لا يحصى كثرة ، وجعل على باب كل مدينة طلسما يمنع من دخولها ، وأنفذ لها مسارب تحت الأرض ينفذ بعضها إلى بعض طول كل سرب ثلاثة أميال ، وبنى أيضا مدينة بأرض مصر اسمها : حلجمة ، وعمل فيها جنّة صفح حيطانها بالجواهر الملوّنة بالذهب ، وغرس فيها أصناف الأشجار ، وأجرى تحتها الأنهار ، وغرس فيها شجرة مولدة تطعم سائر الفواكه ، وعمل فيها قبة من رخام أحمر على رأسها صنم يدور مع الشمس ، ووكل بها شياطين إذا خرج أحد من بيته في الليل هلك.
وأقام بها أساطين زبر عليها جميع العلوم ، وصور العقاقير ومنافعها ومضارها ، وجعل لهذه المدينة مسارب تتصل بمسارب تلك المدن الثلاث بين كل سرب منها ، وبين هذه المدينة عشرون ميلا ، فلم تزل هذه المدائن حتى أفسدها الطوفان ، ولمّا مات بعد مائة وتسع سنين من ملكه على مصر جعل في ناوس مطلسم ، ودفن فيه.
وملك بعده أخوه مصرام بن نقراوش الجبار بن مصرايم ويقال : به سميت مصر ، وكان حكيما فعمل هيكلا للشمس من مرمر مموّه بذهب أحمر ، وفي وسطه فرس من جوهر أزرق عليه صورة الشمس من ذهب أحمر ، وعلى رأسه قنديل من الزجاج فيه حجر مدبر يضيء أكثر من السراج ، ثم إنه ذلل الأسد وركبها وسار إلى البحر المحيط ، وجعل في وسطه قلعة بيضاء عليها صنم للشمس ، وزبر عليه اسمه وصفته ، وعمل صنما من نحاس زبر عليه :
أنا مصرايم الجبار كاشف الأسرار الغالب القهار ، وضعت الطلسمات الصادقة ، وأقمت الصور الناطقة ، ونصبت الأعلام الهائلة على البحار السائلة ليعلم من بعدي ، إنه لا يملك أحد أشدّ من أيدي ، وعاد إلى أمسوس ، واحتجب عن الناس ثلاثين سنة ، واستخلف رجلا يقال له : عيقام من ولد عرياب بن آدم ، وكان كاهنا ساحرا. فلمّا مضت المدّة أحب أهل مصر أن يروه ، فجمعهم عيقام بعدما أعلم مصرايم ، فظهر لهم ، في أعلى مجلس مزين بأصناف الزينة في صورة هائلة ملأت قلوبهم رعبا ، فخرّوا له ساجدين ، ودعوا له ، ثم أحضر إليهم الطعام فأكلوا وشربوا ، وأمرهم بالرجوع إلى مواضعهم ولم يروه بعدها.
فملك بعده خليفته عيقام ، وقد حكي عنه أهل مصر حكايات لا تصدّقها العقول.
ويقال : إنّ إدريس عليهالسلام ، رفع في أيامه وإنه رأى في علمه كون الطوفان ، فبنى خلف خط الاستواء في سفح جبل القمر ، قصرا من نحاس ، وجعل فيه خمسة وثمانين تمثالا من نحاس يخرج ماء النيل من حلوقها ، ويصب في بطحاء تنتهي إلى مصر ، وسار إليه من أمسوس ، فشاهد حكمة بنيانه وزخرفة حيطانه ، وما فيها من النقوش من صور الأفلاك ، وغيرها ، وكان قصرا تسرج فيه المصابيح ، وتنصب به الموائد وعليها من كل الأطعمة