وأحسن السيرة وردّ النساء اللاتي غصبن في أيام أبيه على أزواجهنّ ، وعمل قبة طولها خمسون ذراعا في عرض مائة ذراع ، وركب في جوانبها طيورا من صفر تصفر بأصوات مختلفة مطربة لا تفتر ساعة ، وعمل في وسط مدينة أمسوس ، منارا عليه رأس إنسان من صفر كلما مضى من النهار أو الليل ساعة صاح صيحة يعلم من سمعها بمضيّ ساعة ، وعمل منارا عليه قبة من صفر مذهب ، ولطخها بلطوخات ، فإذا غربت الشمس في كل ليلة اشتعلت القبة نورا تضيء له مدينة أمسوس طول الليل ، حتى يصير مثل النهار لا تطفئها الرياح ولا الأمطار فإذا طلع النهار خمد ضوءها وأهدى لبعض ملوك بابل مدهنا من زبرجد قطره خمسة أشبار.
ويقال : إنه وجد بعد الطوفان ، وعمل في الجبل الشرقيّ صنما عظيما قائما على قاعدة وهو مصبوغ مصفر بالذهب ووجهه إلى الشمس يدور معها حتى تغرب ، ثم يدور ليلا حتى يحاذي المشرق مع الفجر ، فإذا أشرقت الشمس استقبلها بوجهه ، وبنى بصحراء الغرب مدنا كثيرة ، وأودعها كنوزا عظيمة ، ونكح ثلثمائة امرأة ولم يولد له ولد ، فإنّ الله تعالى ، كان قد أعقم الأرحام لما يريد من إهلاك العالم بالطوفان ، ووقع الموت في الناس والبهائم ، ولما مات وضع في ناوس بالجبل الشرقيّ ، ومعه أمواله وطلسم عليه.
وملك بعده أرمالينوس ، فعمل أعمالا عجيبة وبنى مدنا ومصانع جدّد الطلسمات ، وكان له ابن عم يسمى : فرعان ، وكان جبارا ، فأبعده وجعله على جيش ساربه عنه ، فقهر ملوكا وقتل أمما عظيمة ، وغنم أموالا كثيرة ، وعاد فشغفت به امرأة من نساء الملك ، وما زالت به حتى اجتمع بها تآلفا ، وأقاما على ذلك مدّة ، فخافا الملك أن يفطن بهما ، فعملت المرأة لأرمالينوس سمّا في شرابه هلك منه.
وملك بعده ابن عمه فرعان بن مشور ، فلم ينازعه أحد لشجاعته وسياسته ، ولم تطل أعوامه حتى رأى قليمون الكاهن ، كأنّ طيورا بيضاء قد نزلت من السماء ، وهي تقول : من أراد النجاة فليلحق بصاحب السفينة ، وكان عندهم علم بحدوث الطوفان من أيام سوريد وبنائه الأهرام ، لأجل ذلك ، واتخذ الناس سراديب تحت الأرض مصفحة بالزجاج قد حبست الرياح فيها بتدبير ، وعمل منها فرعان لنفسه ولأهله عدّة ، فما كذب أن جمع أهله وولده وتلميذه ولحق بنوح عليهالسلام ، وآمن به وأقام معه حتى ركب في السفينة وجاء الطوفان في أيام فرعان ، فأغرق أرض مصر كلها ، وخرب عمائرها ، وأزال تلك المعالم كلها ، وأقام الماء عليها ستة أشهر ، ووصل إلى أنصاف الهرمين العظيمين ، وسيأتي خبر ذلك إن شاء الله تعالى عند ذكر محن مصر من هذا الكتاب.
ويقال : إنّ فرعان كان عاتيا متجبرا يغصب الأموال والنساء ، وأنه كتب إلى الدر مثيل ابن لحويل ببابل يشير عليه بقتل نوح عليهالسلام ، وأنه استخف بالكهنة والهياكل ، ففسدت