الوليد عن الخبر؟ فقال : تحت منارة الإسكندرية أموال ملوك الأرض ، وذلك أن الإسكندر احتوى على الأموال والجواهر التي كانت لشدّاد بن عاد وملوك مصر ، فبنى لها أزجا تحت الأرض، وقنطر لها الأقباء والقناطر والسراديب ، وأودعها تلك الذخائر من العين والورق والجوهر ، وبنى فوق ذلك هذه المنارة ، وكان طولها في الهواء ألف ذراع ، والمرآة في علوه ، والدبادبة جلوس حوله ، فإذا نظروا إلى العدوّ في البحر في ضوء تلك المرآة صوّتوا لمن قرب منهم ، ونشروا أعلاما فيراها من بعد منهم ، فتحذر الناس وتنذر البلد ، فلا يكون للعدوّ عليهم سبيل.
فبعث الوليد مع الخادم ، بجيش وأناس من ثقاته وخواصه ، فهدم نصف المنارة من أعلاها ، وأزيلت المرآة فضج الناس من هذا! وعلموا أنها مكيدة وحيلة في أمرها ، فلما علم الخادم استفاضة ذلك وأنه سينم إلى الوليد وأنه قد بلغ ما يحتاج إليه هرب في الليل في مركب كان قد أعدّه ، وواطأ على ذلك ، فتمت حيلته وبقيت المنارة على ما ذكرنا إلى هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة.
وكان حوالي منارة الإسكندرية في البحر مغاص يخرج منه قطع من الجوهر يتخذ منه فصوص للخواتم أنواعا من الجواهر ، يقال : إنّ ذلك من آلات اتخذها الإسكندر للشراب ، فلما مات كسرتها أمه ، ورمت بها في تلك المواضع من البحر ، ومنهم من رأى أن الإسكندر اتخذ ذلك النوع من الجواهر ، وغرّقه حول المنارة لكيلا تخلو من الناس حولها ، لأنّ من شأن الجوهر أن يكون مطلوبا أبدا في كل عصر ، ويقال : إنّ هذه المنارة إنما جعلت المرآة في أعلاها ، لأنّ ملوك الروم بعد الإسكندر كانت تحارب ملوك مصر والإسكندرية ، فجعل من كان بالإسكندرية من الملوك تلك المرآة تري من يرد في البحر من عدوّهم ، وكان من يدخلها يتيه فيها إلا أن يكون عارفا بالدخول والخروج فيها لكثرة بيوتها وطبقاتها وممرّاتها.
وقد ذكر : أن المغاربة حين وافوا في خلافة المقتدر في جيش صاحب المغرب دخل جماعة منهم على خيولهم إلى المنارة ، فتاهوا فيها ، وفي طرق تؤول إلى مهاو تهوي إلى السرطان الزجاج ، وفيه مخارق إلى البحر ، فتهوّرت دوابهم ، وفقد منهم عدد كثير وعلم بهم بعد ذلك ، وقيل : إن تهوّرهم كان على كرسيّ لها قدّامها ، وفي المنارة مسجد في هذا الوقت يرابط فيه مطوّعة المصريين وغيرهم. وفي سنة سبع وسبعين وسبعمائة ، سقط رأس المنارة من زلزلة ، ويقال : إنّ منارة الإسكندرية ، كانت مبنية بحجارة مهندمة مضببة برصاص على قناطر من الزجاج ، وتلك القناطر على ظهر سرطان ، وكان في المنارة ، ثلثمائة بيت بعضها فوق بعض ، وكانت الدابة تصعد بحملها إلى سائر البيوت من داخل المنارة ، ولهذه البيوتات طاقات تشرف على البحر ، وكانت على الجانب الشرقيّ من المنارة كتابة عرّبت ، فإذا هي : بنت هذه المنظرة قريبا بنت مرينوس اليونانية لرصد الكواكب.