وقال ابن وصيف شاه : وقد ذكر أخبار مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح وبنوا على البحر مدنا منها رقودة مكان الإسكندرية ، وجعلوا في وسطها قبة على أساطين من نحاس مذهب والقبة مذهبة ، ونصبوا فوقها منارة عليها مرآة من أخلاط شتى ، قطرها خمسة أشبار ، وكان ارتفاع القبة مائة ذراع ، فكانوا إذا قصدهم قاصد من الأمم التي حولهم ، فإن كان مما يهمهم أو من البحر عملوا لتلك المرآة عملا ، فألقت شعاعها على ذلك الشيء فأحرقته ، فلم تزل على حالها إلى أن غلب عليها البحر فنسفها.
ويقال : إنّ الإسكندر إنما عمل المنار الذي كان شبيها بها وقد كان أيضا عليه مرآة يرى فيها من يقصدهم من بلاد الروم ، فاحتال بعض ملوك الروم ، فوجه من أزالها ، وكانت من زجاج مدبر.
وقال المسعوديّ في كتاب التنبيه والأشراف : وقد كان وزير المتوكل ، عبيد الله بن يحيى بن خاقان لمّا أمر المستعين بنفيه إلى برقة في سنة ثمان وأربعين ومائتين ، صار إلى الإسكندرية من بلاد مصر ، فرأى حمرة الشمس على علو المنارة التي بها وقت المغيب ، فقدّر أنه يلزمه أن لا يفطر إذا كان صائما أو تغرب الشمس من جميع أقطار الأرض ، فأمر إنسانا أن يصعد إلى أعلى منارة الإسكندرية ومعه حجر ، وأن يتأمّل موضع سقوط الشمس ، فإذا أسقطت رمي بالحجر ، ففعل الرجل ذلك ، فوصل الحجر إلى قرار الأرض بعد صلاة العشاء الآخرة ، فجعل إفطاره بعد صلاة العشاء الآخرة ، فيما بعد إذا صام في مثل ذلك الوقت ، وكان عند رجوعه إلى سرّ من رأى لا يفطر إلا بعد عشاء الآخرة ، وعنده أنّ هذا فرضه ، وأنّ الوقتين متساويان ، وهذا غاية ما يكون من قلة العلم بالفرض ومجاري الشرق والغرب.
وقد ذكر أرسطاطاليس في كتاب الآثار العلوية : أن بناحية المشرق الصيفيّ جبلا شامخا جدّا ، وأنّ من علامة ارتفاعه أن الشمس لا تغيب عنه إلى ثلاث ساعات من الليل ، وتشرق عليه قبل الصبح بثلاث ساعات.
ومنارة الإسكندرية أحد بنيان العالم العجيب ، بناها بعض البطالسة ملوك اليونانيين بعد وفاة الإسكندر بن فيليبس الملك ، لما كان بينهم وبين ملوك رومة من الحروب في البرّ والبحر ، فجعلوا هذه المنارة مرقبا في أعاليها مرآة عظيمة من نوع الأحجار المشفة ليشاهد منها مراكب البحر إذا أقبلت من رومة على مسافة تعجز الأبصار عن إدراكها ، فكانوا يراعون ذلك في تلك المرآة فيستعدّون لهم قبل ورودهم ، وطول المنارة في هذا الوقت على التقريب ، مائتان وثلاثون ذراعا ، وكان طولها قديما نحوا من أربعمائة ذراع ، فهدمت على طول الأزمان وترادف الزلازل والأمطار ، لأنّ بلد الإسكندرية تمطر وليس سبيلها سبيل فسطاط مصر إذ كان الأغلب عليها أن لا تمطر إلا اليسير ، وبناؤها ثلاثة أشكال ، فقريب من