النصف ، وأكثر من الثلث مربع الشكل ، بناؤه بأحجار بيض يكون نحوا من مائة ذراع وعشرة أذرع على التقريب ، ثم من بعد ذلك مثمن الشكل ، مبني بالحجر والجص نحو من نيف وستين ذراعا وحواليه فضاء يدور فيه الإنسان وأعلاها مدوّر.
وكان أحمد بن طولون رمّ شيئا منها ، وجعل في أعلاه قبة من الخشب ليصعد إليها من داخلها وهي مبسوطة موربة بغير درج ، وفي الجهة الشمالية من المنارة ، كتابة برصاص مدفون بقلم يونانيّ طول كلّ حرف ذراع في عرض شبر ، ومقدارها على جهة الأرض نحو من مائة ذراع ، وماء البحر قد بلغ أصلها ، وقد كان تهدّم أحد أركانها الغربية مما يلي البحر.
فبناها أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، وبينها وبين مدينة الإسكندرية في هذا الوقت نحو من ميل ، وهي على طرف لسان من الأرض قد ركب البحر جنبتيه ، وهي مبنية على فم ميناء الإسكندرية وليس بالميناء القديم ، لأنّ القديم في المدينة العتيقة لا ترسي فيه المراكب لبعده عن العمران ، والميناء هو الموضع الذي ترسي فيه مراكب البحر.
وأهل الإسكندرية يخبرون عن أسلافهم أنهم شاهدوا بين المنارة وبين البحر نحوا مما بين المدينة والمنارة في هذا الوقت ، فغلب عليه ماء البحر في المدّة اليسيرة وأنّ ذلك في زيادة ، قال : وتهدّم في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثلثمائة ، نحو من ثلاثين ذراعا من أعاليها بالزلزلة التي كانت ببلاد مصر ، وكثير من بلاد الشام والمغرب في ساعة واحدة على ما وردت به علينا الأخبار المتواترة ، ونحن بفسطاط مصر ، وكانت عظيمة جدّا مهولة فظيعة أقامت نحو نصف ساعة زمانية ، وذلك لنصف يوم السبت لثمان عشرة خلت من هذا الشهر وهو الخامس من كانون الآخر ، والتاسع من طوبة ، وكان لهذه المنارة مجمع في يوم خميس العدس يخرج سائر أهل الإسكندرية إلى المنارة من مساكنهم بمآكلهم ولا بد أن يكون فيها عدس ، فيفتح باب المنار ، ويدخله الناس ، فمنهم من يذكر الله ، ومنهم من يصلي ، ومنهم من يلهو ولا يزالون إلى نصف النهار ، ثم ينصرفون ومن ذلك اليوم يحترس على البحر من هجوم العدوّ.
وكان في المنارة قوم مرتبون لوقود النار طول الليل ، فيقصد ركاب السفن تلك النار على بعد ، فإذا رأى أهل المنار ما يريبهم أشعلوا النار من جهة المدينة ، فإذا رآها الحرس ضربوا الأبواق والأجراس ، فيتحرّك عند ذلك الناس لمحاربة العدوّ.
ويقال : إنّ المنار كان بعيدا عن البحر ، فلما كان في أيام قسطنطين بن قسطنطين هاج البحر وغرّق مواضع كثيرة وكنائس عديدة بمدينة الإسكندرية ، ولم يزل يغلب عليها بعد ذلك ويأخذ منها شيئا بعد شيء.
وذكر بعضهم : أنه قاسه فكان مائتي ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا وهي ثلاث طبقات ،