الإسكندرية الثاني ، وكان سبب فتحها هذا : أنّ رجلا يقال له : ابن بسامة كان بوّابا ، فسأل عمرا أن يؤمّنه على نفسه وأرضه وأهل بيته ، ويفتح له الباب ، فأجابه عمرو إلى ذلك ، ففتح له ابن بسامة الباب ، فدخل عمرو وقتل من المسلمين من حين كان من آمر الإسكندرية ما كان إلى أن فتحت اثنان وعشرون رجلا ، وبعث عمرو بن العاص ، معاوية بن خديج وافدا إلى عمر بن الخطاب بشيرا له بالفتح ، فقال له معاوية : ألا تكتب معي ، فقال له عمرو : وما أصنع بالكتاب ألست رجلا عربيا تبلغ الرسالة ، وما رأيت وحضرت.
فلما قدم على عمر ، أخبره بفتح الإسكندرية فخرّ عمر ساجدا ، وقال : الحمد لله ، وقال معاوية بن خديج : بعثني عمرو بن العاص إلى عمر رضياللهعنه بفتح الإسكندرية ، فقدمت المدينة في الظهيرة ، فأنخت راحلتي بباب المسجد ثم دخلت المسجد ، فبينا أنا قاعد فيه إذ خرجت جارية من منزل عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، فرأتني شاحبا عليّ ثياب السفر ، فأتتني ، وقالت : من أنت؟ فقلت : أنا معاوية بن خديج ، رسول عمرو بن العاص ، فانصرفت عني ، ثم أقبلت تشدّ أسمع حفيف إزارها على ساقها ، حتى دنت مني ، ثم قالت : قم فأجب أمير المؤمنين يدعوك ، فتبعتها ، فلما دخلت فإذا بعمر يتناول رداءه بإحدى يديه ، ويشدّ إزاره بالأخرى ، فقال : ما عندك؟ فقلت : خير يا أمير المؤمنين ، فتح الله الإسكندرية فخرج معي إلى المسجد ، فقال للمؤذن : أذن في الناس : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، ثم قال لي : قم فأخبر أصحابك ، فقمت فأخبرتهم ثم صلى ودخل منزله ، واستقبل القبلة ، فدعا بدعوات ، ثم جلس ، فقال : يا جارية! هل من طعام؟ فأتت بخبز وزيت ، فقال : كل ، فأكلت حياء ، ثم قال : كل ، فإنّ المسافر يحب الطعام فلو كنت آكلا لأكلت معك ، فأصبت على حياء ، ثم قال : يا جارية! هل من تمر؟ فأتت بتمر في طبق ، فقال : كل ، فأكلت على حياء ، ثم قال : ما ذا قلت يا معاوية حين أتيت المسجد؟ قال : قلت : أمير المؤمنين قائل ، قال : بئس ما قلت ، أو بئس ما ظننت لئن نمت النهار لأضيعنّ الرعية ، ولئن نمت الليل لأضيعنّ نفسي ، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية.
ثم كتب عمرو بن العاص بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب : أمّا بعد! فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية ، بأربعة آلاف حمام ، وأربعين ألف يهوديّ ، عليهم الجزية ، وأربعمائة ملهى للملوك.
وعن أبي قبيل : أنّ عمرا لما فتح الإسكندرية وجد فيها : اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر ، وترحل من الإسكندرية في الليلة التي دخلها عمرو ، وفي الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو ، سبعون ألف يهوديّ.
وكان بالإسكندرية فيما أحصي من الحمامات : اثنا عشر ألف ديماس ، أصغر ديماس منها يسع ألف مجلس ، كل مجلس يسع جماعة نفر ، وكان عدّة من بالإسكندرية من الروم ،