المكان الذي كان فيه ، فنزل البصرة ، وتحوّل عمرو بن العاص من الإسكندرية إلى الفسطاط ، وكان عمر بن الخطاب يبعث في كل سنة غازية من أهل المدينة ترابط بالإسكندرية ، وكان على الولاء لا يغفلها ، ويكنف مرابطها ، ولا يأمن الروم عليها.
وكتب عثمان رضياللهعنه إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح : قد علمت كيف كان همّ أمير المؤمنين بالإسكندرية ، وقد نقضت الروم مرّتين ، فألزم الإسكندرية مرابطيها ، ثم أجر عليهم أرزاقهم ، وأعقب بينهم في كل ستة أشهر ، قال : وكانت الإسكندرية انتقضت ، وجاءت الروم عليهم ، منويل الخصيّ في المراكب ، حتى أرسوا بالإسكندرية ، فأجابهم من بها من الروم ، ولم يكن المقوقس تحرّك ونكث ، وقد كان عثمان رضياللهعنه ، عزل عمرو بن العاص ، وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، فلما نزلت الروم ، سأل أهل مصر ، عثمان أن يقرّ عمرا حتى يفرغ من قتال الروم ، فإنّ له معرفة بالحرب وهيبة في العدوّ ، ففعل.
وكان على الإسكندرية سورها ، فحلف عمرو بن العاص : لئن أظفره الله عليهم ليهدمن سورها حتى يكون مثل بيت الزانية يؤتى من كل مكان ، فخرج إليهم عمرو في البرّ والبحر ، فضموا إلى المقوقس من أطاعه من القبط ، وأمّا الروم فلم يطعه منهم أحد ، فقال خارجة بن حذافة لعمرو : ناهضهم قبل أن يكثر مددهم ، فلا آمن أن تنتقض مصر كلها ، فقال عمرو : لا ، ولكن أدعهم حتى يسيروا إليّ فإنهم يصيبون من مرّوا به ، فيخزي الله بعضهم ببعض ، فخرجوا من الإسكندرية ومعهم من نقض من أهل القرى ، فجعلوا ينزلون القرية فيشربون خمورها ، ويأكلون أطعمتها ، وينتهبون ما مرّوا به ، فلم يتعرّض لهم عمرو ، حتى بلغوا نفيوس ، فلقوهم في البرّ والبحر ، فبدأت الروم القبط ، فرموا بالنشاب في الماء رميا شديدا ، حتى أصابت النشاب يومئذ فرس عمرو في لبته ، وهو في البرّ ، فعقر فنزل عنه عمرو ، ثم خرجوا من البحر ، فاجتمعوا هم والذين في البرّ ، فنفحوا المسلمين بالنشاب ، فاستأخر المسلمون عنهم شيئا ، وحملوا على المسلمين حملة ولى المسلمون منها ، وانهزم شريك بن سميّ في خيله ، وكانت الروم قد جعلت صفوفا خلف صفوف ، وبرز يومئذ بطريق ممن جاء من أرض الروم على فرس له عليه سلاح مذهب ، فدعا إلى البراز ، فبرز إليه رجل من زبيد يقال له : حومل ، يكنى : أبا مذحج ، فاقتتلا طويلا برمحين يتطاردان ، ثم ألقى البطريق الرمح ، وأخذ السيف ، فألقى حومل رمحه ، وأخذ سيفه ، وكان يعرف بالنجدة ، فجعل عمرو يصيح : أبا مذحج ، فيجيبه : لبيك ، والناس على شاطىء النيل في البرّ على تعبيتهم وصفوفهم ، فتجاولا ساعة بالسيف ، ثم حمل عليه البطريق ، فاحتمله ، وكان نحيفا فاخترط حومل خنجرا ، كان في منطقته أو في ذراعه ، فضرب به نحر العلج أو ترقوته ، فأثبته ووقع عليه ، فأخذ سلبه ، ثم مات حومل بعد ذلك بأيام رحمهالله ، فرؤي عمرو يحمل سريره بين عمودي نعشه حتى دفنه بالمقطم ، ثم شدّ المسلمون عليهم ، فكانت هزيمتهم ، فطلبهم