المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية ، ففتح الله عليهم ، وقتل منويل الخصي ، وقتلهم عمرو حتى أمعن في مدينتهم ، فكلم في ذلك ، فأمر برفع السيف عنهم ، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدا ، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يقال له : مسجد الرحمة ، سمي بذلك لرفع عمرو السيف هناك ، وهدم سورها كله ، وجمع ما أصاب منهم ، فجاءه أهل تلك القرى ممن لم يكن نقض ، فقالوا : قد كنا على صلحنا ، وقد مرّ علينا هؤلاء اللصوص ، فأخذوا متاعنا ودوابنا ، وهو قائم في يديك ، فردّ عليهم عمرو ما كان لهم من متاع عرفوه ، وأقاموا عليه البينة ، وقال بعضهم لعمرو : ما حلّ لك ما صنعت بنا ، كان لنا أن تقاتل عنا لأنا في ذمّتك ، ولم ننقض ، فأما من نقض ، فأبعده الله ، فندم عمرو وقال : يا ليتني كنت لقيتهم حين خرجوا من الإسكندرية.
وكان سبب نقض الإسكندرية هذا أن ظلما صاحب إخنا قدم على عمرو ، فقال : أخبرنا ما على أحدنا من الجزية ، فيصير لها ، فقال عمرو ، وهو يشير إلى ركن كنيسة : لو أعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك؟ إنما أنتم خزانة لنا إن كثر علينا كثرنا عليكم ، وإن خفف عنا خففنا عنكم ، فغضب صاحب إخنا ، وخرج إلى الروم فقدم بهم ، فهزمهم الله تعالى ، وأسر فأتي به إلى عمرو ، فقال له الناس : اقتله ، فقال : لا ، بل انطلق ، فجئنا بجيش آخر وسوّره وتوجه وكساه برنس أرجوان ، فرضي بأداء الجزية ، فقيل له : لو أتيت ملك الروم ، فقال : لو أتيته لقتلني ، وقال : قتلت أصحابي ، وعن أبي قبيل : أن عتبة بن أبي سفيان عقد لعلقمة القطيفيّ على الإسكندرية ، وبعث معه اثني عشر ألفا فكتب علقمة إلى معاوية بن أبي سفيان ، يشكو عتبة حين غرّر به ، وبمن معه ، فكتب إليه معاوية : إني قد أمددتك بعشرة آلاف من أهل الشام ، وبخمسة آلاف من أهل المدينة ، فكان في الإسكندرية سبعة وعشرون ألفا ، وفي رواية : أن علقمة بن يزيد كان على الإسكندرية ، ومعه اثنا عشر ألفا ، فكتب إلى معاوية : إنك خلفتني بالإسكندرية ، وليس معي إلا اثنا عشر ألفا ما يكاد بعضنا يرى بعضا من القلة ، فكتب إليه معاوية : إني قد أمددتك بعبد الله بن مطيع في أربعة آلاف من أهل المدينة ، وأمرت معن بن يزيد السلميّ أن يكون بالرملة في أربعة آلاف مسكين بأعنة خيولهم متى بلغهم عنك فزع ، يعبروا إليك. قال ابن لهيعة : وقد كان عمرو بن العاص يقول : ولاية مصر جامعة ، تعدل الخلافة.
وكان عمرو حين توجه إلى الإسكندرية ، خرّب القرية التي تعرف اليوم بخربة وردان.
واختلف علينا السبب الذي خربت له ، فحدثّنا سعيد بن عفير : أنّ عمرا لما توجه إلى نفيوس ، لقتال الروم ، عدل وردان لقضاء حاجته عند الصبح ، فاختطفه أهل الخربة ، فغيبوه ، ففقده عمرو ، وسأل عنه وقفا أثره ، فوجدوه في بعض دورهم ، فأمر بإخرابها وإخراجهم منها ، وقيل : كان أهل الخربة رهبانا كلهم ، فغدروا بقوم من ساقة عمرو ، فقتلوهم بعد أن