بالوفاء ، بما أعطاه عبد الله بن الجهم ، ما وفى كنون بن عبد العزيز بجميع ما شرط عليه ، فإن غيّر كنون ، أو بدّل أحد من البجة ، فذمّة الله جل اسمه ، وذمّة أمير المؤمنين ، وذمّة الأمير أبي إسحاق بن أمير المؤمنين الرشيد ، وذمّة عبد الله بن الجهم ، وذمّة المسلمين بريئة منهم ، وترجم جميع ما في هذا الكتاب حرفا حرفا ، زكريا بن صالح المخزوميّ من سكان جدّة وعبد الله بن إسماعيل القرشيّ ، ثم نسق جماعة من شهود أسوان ، فأقام البجة على ذلك برهة ، ثم عادوا إلى غزو الريف من صعيد مصر ، وكثر الضجيج منهم إلى أمير المؤمنين ، جعفر المتوكل على الله ، فندب لحربهم ، محمد بن عبد الله القميّ ، فسأل أن يختار من الرجال ، من أحبّ ، ولم يرغب إلى الكثرة لصعوبة المسالك.
فخرج إليهم من مصر في عدّة قليلة ، ورجال منتخبة ، وسارت المراكب في البحر ، فاجتمع البجة لهم في عدد كثير عظيم قد ركبوا الإبل ، فهاب المسلمون ذلك ، فشغلهم بكتاب طويل كتبه في طومار ، ولفه بثوب فاجتمعوا لقراءته ، فحمل عليهم ، وفي أعناق الخيل الأجراس ، فنفرت الجمال بالبجة ، ولم تثبت لصلصلة الأجراس ، فركب المسلمون أقفيتهم ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ، وقتل كبيرهم ، فقام من بعده ، ابن أخيه ، وبعث يطلب الهدنة ، فصالحهم ، على أن يطأ بساط أمير المؤمنين ، فسار إلى بغداد ، وقدم على المتوكل ، بسرّمن رأى في سنة إحدى وأربعين ومائتين ، فصولح على أداء الإداوة والبقط ، واشترط عليهم أن لا يمنعوا المسلمين من العمل في المعدن.
وأقام القميّ بأسوان مدّة ، وترك في خزائنها ما كان معه من السلاح وآلة الغزو ، فلم تزل الولاة تأخذ منه حتى لم يبقوا منه شيئا ، فلما كثر المسلمون في المعادن ، واختلطوا بالبجة ، قلّ شرهم ، وظهر التبر لكثرة طلابه ، وتسامع الناس به فوفدوا من البلدان ، وقدم عليهم أبو عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحميد العمريّ ، بعد محاربته النوبة في سنة خمس وخمسين ومائتين ، ومعه ربيعة وجهينة وغيرهم من العرب ، فكثرت بهم العمارة في البجة حتى صارت الرواحل التي تحمل الميرة إليهم من أسوان ، ستين ألف راحلة ، غير الجلاب التي تحمل من القلزم إلى عيذاب ، ومالت البجة إلى ربيعة وتروّحوا إليهم.
وقيل : إنّ كهان البجة قبل إسلام من أسلم منهم ذكرت ، عن معبودهم الطاعة لربيعة ، ولكنون معا ، فهم على ذلك ، فلما قتل العمريّ ، واستولت ربيعة على الجزائر ، والاهم على ذلك البجة ، فأخرجت من خالفها من العرب ، وتصاهروا إلى رؤساء البجة ، وبذلك كف ضررهم عن المسلمين.
والبجة الداخلة في صحراء بلد علوة مما يلي البحر الملح إلى أوّل الحبشة ، ورجالهم في الظعن والمواشي واتباع الرعي والمعيشة ، والمراكب والسلاح ، كحال الحدارب ، إلا أن الحدارب أشجع وأهدى من الداخلة على كفرهم من عبادة الشيطان ، والاقتداء بكهانهم ،