رجب قدم إلى القاهرة سبعة وأربعون أسيرا ، وأحد عشر فارسا ، وظفر المسلمون بمسطح للفرنج في البحر فيه مقاتلة من نستراوة.
فلما كانت ليلة الأحد لأربع عشرة مضت من شعبان ، مات الملك الصالح بالمنصورة ، فلم يظهر موته ، وحمل في تابوت إلى قلعة الروضة ، وقام بأمر العسكر الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ.
فإنّ شجرة (١) الدر زوجة السلطان ، لما مات أحضرت الأمير فخر الدين ، والطواشي جمال الدين محسنا ، وإليه أمر المماليك البحرية والحاشية وأعلمتهما بموته ، فكتما ذلك خوفا من الفرنج ، لأنهم كانوا قد أشرفوا على تملك ديار مصر ، فقام الأمير فخر الدين بالتدبير.
وسيروا إلى الملك المعظم توران شاه (٢) ، وهو بحصن كيفا (٣) ، الفارس أقطاي لإحضاره ، وأخذ الأمير فخر الدين في تحليف العسكر للملك الصالح ، وابنه الملك المعظم بولاية العهد من بعده ، وللأمير فخر الدين بأتابكية العسكر ، والقيام بأمر الملك حتى حلفهم كلهم بالمنصورة وبالقاهرة في دار الوزارة عند الأمير حسام الدين بن أبي عليّ في يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من شعبان ، وكانت العلامات تخرج من الدهاليز السلطانية بالمنصورة إلى القاهرة بخط خادم يقال له : سهيل لا يشك من رآها ، إنها خط السلطان ، ومشى ذلك على الأمير حسام الدين بالقاهرة ، ولم يتفوّه أحد بموت السلطان إلى أن كان يوم الاثنين لثمان بقين من شعبان ، ورد الأمر إلى القاهرة بدعاء الخطباء في الجمعة الثانية للملك المعظم بعد الدعاء للسلطان ، وأن ينقش اسمه على السكة ، فلما علم الفرنج بموت السلطان ، خرجوا من دمياط بفارسهم وراجلهم ، وشوانيهم تحاذيهم في البحر حتى نزلوا ، فارسكور يوم الخميس لخمس بقين من شعبان.
فورد في يوم الجمعة من الغد كتاب إلى القاهرة من العسكر ، أوّله : انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ، وفيه مواعظ بليغة بالحث على الجهاد ، فقرىء على منبر جامع القاهرة ، وقد جمع الناس
__________________
(١) شجرة الدر : أم خليل الصالحية الملقبة بعصمة الدين ملكة مصر. أصلها من جواري الملك الصالح نجم الدين أيوب أعتقها ثم تزوجها ولما توفي زوجها سنة ٦٤٧ ه تقدمت للملك وخطب على المنابر باسمها ولم يستمر أمرها سوى ثمانين يوما. توفيت مقتولة سنة ٦٥٥ ه. الأعلام ج ٣ / ١٥٨.
(٢) توران شاه : ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب ثامن سلاطين الأيوبيين وآخرهم قتلته شجرة الدر زوجة أبيه سنة ٦٤٧ ه لأنه تنكر لها بعد ما هيأت له الأمور بالسلطنة وأرسلت إليه واستقدمته حيث كان خارج مصر. الأعلام ج ٢ / ٩٠.
(٣) حصن كيفا : بلد وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر. معجم البلدان ج ٢ / ٢٦٤.