خط المصاحف إلا ما حكي عن بعض مصاحف عثمان رضياللهعنه ، وقال مجاهد وغيره : من صرفها أراد مصرا من الأمصار غير معين ، واستدلوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم بدخول القرية ، وبما تظاهرت به الرواية أنهم سكنوا الشام بعد التيه ، وقالت طائفة ممن صرفها : أراد مصر فرعون بعينها واستدلوا بما في القرآن أن الله تعالى أورث بني إسرائيل ديار فرعون وآثاره ، وأجازوا صرفها. قال الأخفش : لخفتها وشبهها بهند ودعد ، وسيبويه لا يجير هذا. وقال غير الأخفش : أراد المكان فصرف. وقرأ الحسن وأبان بن ثعلب وغيرهما : اهبطوا مصر بترك الصرف ؛ وكذلك هي في مصحف أبيّ بن كعب. وقال : هي مصر فرعون. قال الأعمش (١) : هي مصر التي عليها صالح بن علي ، وقال أشهب : قال لي مالك : هي عندي مصر قريتك مسكن فرعون ، قال تعالى : (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [يوسف / ٩٩]. قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ في تفسيره عن فرقد الشيخي.
قال : خرج يوسف عليهالسلام يتلقى يعقوب عليهالسلام ، وركب أهل مصر مع يوسف ، وكانوا يعظمونه فلما دنا أحدهما من صاحبه وكان يعقوب يمشي وهو يتوكأ على رجل من ولده يقال له : يهوذا فنظر يعقوب إلى الخيل ، وإلى الناس ، فقال : يا يهوذا هذا فرعون مصر؟ قال : لا ، هذا ابنك فلما دنا كل واحد منهما من صاحبه قال يعقوب عليهالسلام : عليك يا ذاهب الأحزان عني. هكذا قال : يا ذاهب الأحزان عني.
وقال تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [يونس / ٨٧]. قال الطبري (٢) عن ابن عباس وغيره : كانت بنو إسرائيل تخاف فرعون ، فأمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد يصلون فيها. قال قتادة : وذلك حين منعهم فرعون الصلاة فأمروا أن يجعلوا مساجدهم في بيوتهم وأن يوجهوا نحو القبلة ، وعن مجاهد : بيوتكم قبلة قال : نحو الكعبة حين خاف موسى ومن معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة فأمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرّا ، وعن مجاهد في قوله : (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) [يونس / ٨٧] قال : مصر : الإسكندرية. وقال تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف / ٥١]. قال ابن عبد الحكم ، وأبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس ، وغيرهما عن أبي رهم السماعي أنه قال في قوله تعالى: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) [الزخرف / ٥١] قال : ولم يكن يومئذ في الأرض ملك أعظم من
__________________
(١) هو سليمان بن مهران الأسدي الملقب بالأعمش ، تابعي مشهور كان عالما بالقرآن والحديث والفرائض. ولد سنة ٦١ ه وتوفي سنة ١٥٤ ه. الأعلام ج ٣ / ١٣٥.
(٢) هو محمد بن جرير الطبري المؤرخ المفسر الإمام. ولد بآمد سنة ٢٢٤ ه واستوطن بغداد عرض عليه القضاء فامتنع. له عدة مؤلفات بالتفسير والفقه وهو من ثقات المؤرخين وهو صاحب التاريخ المشهور به ، توفي سنة ٣١٠ ه. الأعلام ج ٦ / ٦٩.