قلت : وأخبرني قديما بعض من لا أتهمه أنه ، ظفر بطلسم من هذا المعنى ، وأنه عنده وأراد أن يريني السمك يثب من الماء فلم يقدر لي أن أرى ذلك.
قال ابن عبد الحكم : لما أغرق الله آل فرعون ، بقيت مصر بعد غرقهم ليس فيها من أشراف أهلها أحد. ولم يبق بها إلا العبيد ، والأجراء والنساء. فاتفق من بمصر من النساء أن يولين منهم أحدا ، وأجمع رأيهنّ أن يولينّ امرأة منهنّ يقال لها : دلوكة بنت زبا ، وكان لها عقل ومعرفة وتجارب ، وكانت في شرف منهنّ وموضع وهي يومئذ بنت مائة وستين سنة. فملكوها ، فخافت أن يتناولها الملوك فجمعت نساء الأشراف ، وقالت لهنّ : إنّ بلادنا لم يكن يطمع فيها أحد ولا يمدّ عينه إليها ، وقد هلك أكابرنا وأشرافنا وذهب السحرة الذين كنا نقوى بهم ، وقد رأيت أن أبني حصنا أحدق به جميع بلادنا ، فأضع عليه المحارس من كل ناحية فإنا لا نأمن من أن يطمع فينا الناس ، فبنت جدارا أحاطت به على جميع أرض مصر كلها ، المزارع والمدائن والقرى ، وجعلت دونه خليجا يجري فيه الماء ، وأقامت القناطر والترع ، وجعلت فيه محارس ومسالح على كل ثلاثة أميال محرس ومسلحة ، وفيما بين ذلك محارس صغار على كل ميل ، وجعلت في كل محرس رجالا وأجرت عليهم الأرزاق ، وأمرتهم أن يحرسوا بالأجراس فإذا أتاهم آت يخافونه ضرب بعضهم إلى بعض الأجراس ، فأتاهم الخبر من أي وجه كان في ساعة واحدة ، فنظروا في ذلك فمنعت بذلك مصر من أرادها وفرغت من بنائه في ستة أشهر ، وهو الجدار الذي يقال له : جدار العجوز بمصر ، وقد بقيت بالصعيد منه بقايا كثيرة.
قال المسعودي وقيل : إنما ينته خوفا على ولدها ، وكان كثير القنص فخافت عليه سباع البرّ والبحر ، واغتيال من جاور أرضهم من الملوك والبوادي ، فحوّطت الحائط من التماسيح ، وغيرها. وقد قيل غير ما وصفنا. فملكتهم ثلاثين سنة في قول. قال المؤلف رحمهالله : قد بقي من حائط العجوز هذا في بلاد الصعيد بقايا. أخبرني الشيخ المعمر محمد بن المسعودي : أنه سار في بلاد الصعيد على حائط العجوز ومعه رفقة فاقتلع أحدهم منها لبنة فإذا هي كبيرة جدا تخالف المعهود الآن من اللبن في المقدار ، فتناولها القوم واحدا بعد واحد يتأمّلونها ، وبينما هم في رؤيتها إذ سقطت إلى الأرض ، فانفلقت عن حبة فول في غاية الكبر الذي يتعجب منه لعدم مثله في زماننا ، فقشروا ما عليها فوجدوها سالمة من السوس ، والعيب ، كأنها قريبة عهد بحصادها لم يتغير فيها شيء البتة فأكلها الجماعة قطعة قطعة. وكأنها إنما خبئت لهم من الزمن القديم ، والأعصر الخالية. إنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها.
قال ابن عبد الحكم : وكان ثم عجوز ساحرة يقال لها : بدور وكانت السحرة تعظمها ، وتقدّمها في علمهم وسحرهم فبعثت إليها دلوكة ابنة زبا : إنا قد احتجنا إلى سحرك ، وفزعنا