[قال :](١) أخبرنا التّنوخي ، حدّثني جماعة من أصدقائنا عن أبي عبد الله بن بطّة العكبري ، قال : انحدرت لأقرأ على أبي بكر بن مجاهد ، فوافيت إلى مسجد فجلست فيه بالقرب منه ، فلما قرأ جماعة نظرت فإذا سبقي بعيد فدنوت منه وقلت : يا أستاذ خذ علي ، فقال : ليس السبق لك ، فقلت له : أنا غريب ، وينبغي أن تقدّمني ، فقال : لعمري ، من أي بلد أنت؟ فقلت : من بلد يقال له عكبرا ، فقال لأصحابه : بلد غريب ما سمعنا به ، ومسافة شاسعة ثم ضحك والتفت إليّ فقال لي : لا ردّ الله غربتك مع أمك ، تغديت وجئت إليّ.
قال : وحدّثني عبد الواحد (٢) بن علي العكبري قال : لم أر في أصحاب الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطّة.
قال : وحدّثني القاضي أبو حامد أحمد بن محمّد الدلوي ، قال (٣) : لما رجع أبو عبد الله بن بطّة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة ، فلم ير يوما منها في سوق ، ولا رئي (٤) مفطرا إلّا في يوم (٥) الأضحى والفطر ، وكان أمّارا بالمعروف ، ولم يبلغه خبر منكر إلّا غيّره ، أو كما قال.
قرأت على أبي محمّد عبد الكريم بن حمزة ، عن عبد العزيز بن أحمد ، قال : كتب إليّ أبو ذرّ عبد بن أحمد الهروي ، وحدّثني أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي عنه ، قال : سمعت أبا الفتح القوّاس يقول :
كان أبو عبد الله بن بطّة يخرج إلى دكاني يكتب عني زهد ابن خبيق.
وذكر لي أن كتاب الزهد عندي عن أبي طلحة الوساوسي وكلاما شبيها بذا ، وذكرت لأبي سعد الإسماعيلي ابن بطّة وعلمه وزهده فقال : شوقتني إليه ، فخرج مع أولاده وأهله ، فلما رجع جئت لأسلم عليه ، فقال لي أول ما رآني : الرجل الذي ذكرت لي رأيته فوق الوصف ـ يعني ابن بطّة ـ.
__________________
(١) زيادة منا للإيضاح ، والخبر في تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٢.
(٢) تاريخ بغداد : «حدثني عبد الحميد بن علي العكبري» وبرواية الأصل في تاريخ الإسلام ص ١٤٤ وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٠ / ٣٧٢ وسير أعلام النبلاء ١٦ / ٥٢٩ ـ ٥٣٠ وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٣٨١ ـ ٤٠٠ ص ١٤٤).
(٤) بالأصل : «رأى» والكلمة غير واضحة في م لسوء التصوير ، والتصويب عن المصادر.
(٥) تاريخ بغداد : «يومي» وفي تاريخ الإسلام : إلّا في عيد.