وقفت امرأة من هوازن على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة ، وكان سيدا ، فقامت عند أدنى مجلسه ، ثم قالت : السلام عليكم ، أما بعد فإنّي جئت من بلاد شاسعة ، تخفضني خافضة ، وترفعني رافعة ، لملمّات من الأمور نزلن بي ، ... (١) لحمي ، وبرين عظمي ، وذهبن بسبدي ولبدي ، فبقيت كالحريض في البلد العريض ، فسألت رحمك الله في قبائل العرب من المحمود غيثه والمرتجى سيبه والباذل معروفه ، والمعطي سائله ، فدللت عليك ، أنا امرأة من هوازن مات الوالد وغاب الوافد ، افعل بي خصلة من ثلاث : إمّا أن تقيم أودي ، وإمّا أن تحسن صفدي (٢) ، وإمّا أن تردّني إلى بلدي؟ قال : اجلسي ، وكلّ ذلك لك عندي؟.
وقد وقعت لي هذه الحكاية عن الأصمعي من وجه آخر.
أخبرنا بها أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النقور ، وأبو منصور بن العطار ، قالا : أنا أبو طاهر المخلّص ، أنا عبيد الله بن عبد الرّحمن السكري ، نا زكريا بن يحيى المنقري ، نا الأصمعي ، نا عبد الله بن عمر النّميري ، قال :
دخلت أعرابية على عبيد الله بن أبي بكرة بالبصرة ، فوقفت بين السّماطين ، فقالت : أصلح الله الأمير ، وأمتع به ، حدرتنا إليك سنة اشتد بلاؤها ، وانكشف غطاؤها ، أقود صبية صغارا ، وآخرين (٣) كبارا ، تخفضنا خافضة ، وترفعنا رافعة ، لملمّات من الدهر برين عظمي ، وأذهبن لحمي ، وتركنني والها ، أذود بالحضيض ، قد ضاق بي البلد العريض ، فسألت في أحياء العرب من المرتجى غيثه ، والمعطى سائله ، والمكفي نائله ، فدللت عليك ، أصلحك الله ، وأنا امرأة من هوازن قد مات الوالد ، وغاب الوافد ، وأنت بعد الله غياثي ، ومنتهى أملي ، فافعل بي إحدى ثلاث خصال : إما أن تردّني إلى بلدي ، أو تحسن لي صفدي ، أو تقيم لي أودي؟ فقال : بل أجمعهنّ لك ، وحبا. فلم يزل يجري عليها كما يجري على عياله حتى مات.
ورواه غيره عن الأصمعي ، فقال النمري بدل النميري (٤).
أخبرنا أبو القاسم تمّام بن عبد الله بن المظفّر الظبي ـ في كتابه ـ أنا أبو محمّد
__________________
(١) كلمة غير واضحة بالأصل ، ورسمها في م : «؟؟؟ حصن» وفي المختصر أذهبن لحمي.
(٢) الصفد : العطاء (اللسان).
(٣) الأصل وم ، وفي المختصر ١٦ / ٨ وأجري.
(٤) في م : فقال : النميري بدل التميمي.