وأشعرهما ، فلقيه جرير ، فاستعذره (١) من نفسه ، وطلب إليه أن لا يدخل بينهما ، وقال : كنت أولى بعونكم أني لأمدحكم وأنه ليهجوكم ، قال : أجل ، ولست لمساءتك بعائد.
ثم بلغ جريرا أنه قد عاد في تفضيل الفرزدق عليه ، فلقيه بالبصرة ، وجرير على بغلة ، فقال : ألست عذرتك فزعمت أنك غير داخل بيني وبين ابن عمي؟ قال : والراعي يعتذر إليه ، إذ أقبل ابنه جندل ، وكان فيه خطل وعجب ، فقال لأبيه : ألا أراك (٢) تعتذر إلى ابن الأتان ، نعم والله لنفضلنّ عليك ، ولنروينّ هجاءك ، ولنهجونّك من تلقاء أنفسنا ، وضرب وجه بغلته وقال (٣) :
ألم تر أنّ كلب بني كلاب (٤) |
|
أراد حياض دجلة ثم هابا |
فانصرف جرير مغضبا محفظا ، فقال الراعي لابنه : أما والله ليهجوني وإياك ، فليته لا يجاورنا ، ولكن سيذكر سوأتك ، وعلم الراعي أن قد أساء ، فندم ، فتزعم بنو تميم (٥) أنه حلف أن لا يجيبه سنة غضبا على ابنه ، وأنه مات في السنة.
ويقول غيرهم : إنه كمد لما سمعها فمات.
وكان جرير يوم جرى هذا بينهما بالبصرة نازلا على امرأة من بني كليب ، فبات في علّية لها وهي في سفل دارها ، فقالت المرأة فبات ليلته لا ينام يتردد في البيت حتى ظننت أنه قد عرض له جنّي فتح له فقال (٦) :
أقلّي اللّوم عاذل والعتابا |
|
وقولي ، إن أصبت ، لقد أصابا |
إذا غضبت عليك بنو تميم |
|
حسبت الناس كلّهم غضابا |
ثم أصبح في المربد ، فقال : يا بني تميم قيّدوا قيّدوا أي اكتبوا ، فلم يجبه الراعي ، ولم يهجه جرير بغيرها. [فقال](٧) لي بعض رواة قيس وعلمائهم : كان الراعي فحل مضر ،
__________________
(١) استعذره من فلان : قال : من عذيري منه ، وطلب من الناس العذر ، إن هو عاقبه.
(٢) طبقات الجمحي : إني لأراك.
(٣) البيت في ديوان الراعي أيضا ص ١٧ (ط بيروت) وصدره :
رأيت الجحش جحش بني كليب |
|
تيمم حول دجلة ... |
(٤) البيت في ديوان الراعي أيضا ص ١٧ (ط بيروت) وصدره :
رأيت الجحش جحش بني كليب |
|
تيمم حول دجلة ... |
(٥) طبقات ابن سلام الجمحي : «بنو نمير».
(٦) البيتان من قصيدة قالها جرير يهجو الراعي النميري ، ديوانه ط بيروت ص ٥٧ وطبقات الشعراء لابن سلام الجمحي ص ١٤٤.
(٧) الزيادة عن م والجمحي ، وبعدها في م : في.