وعمّرت أرض المسلمين فأقبلت |
|
وكففت عنها من أراد (١) فسادها |
وأصبت في أرض العدوّ مصيبة |
|
عمّت أقاصي غورها ونجادها |
ظفرا ونصرا ما يقاوي (٢) مثله |
|
أحد من الخلفاء كان أرادها |
وإذا نشرت له الثناء وجدته |
|
جمع المكارم طرفها وتلادها |
فأشار الوليد إلى بعض الخدم ، فغطوه بالخلع ، ووضعوا بين يديه كيسة الدنانير ، وبدر الدراهم ، ثم قال الوليد : يا مولى بني نوفل بن الحارث ، لقد أوتيت أمرا جليلا ، فقال ابن سريج : وأنت يا أمير المؤمنين فقد آتاك الله ملكا عظيما ، وشرفا عاليا ، وعزا بسط يدك فيه ، فلم يقبضه عنك ولا يفعل ، إن شاء الله ، فأدام الله لك ما ولّاك فيما استرعاك ، فإنّك أهل لما أعطاك ، ولا نزعه منك إذا رآك له موضعا لما استرعاك ، قال : يا نوفلي وخطيب أيضا؟ قال ابن سريج : عنك نطقت ، وبلسانك تكلمت ، وبعزك أنست ، وقد كان أمر بإحضار الأحوص بن محمّد الأنصاري ، وعدي بن الرّقاع العاملي ، فلما قدما عليه أمر بإنزالهما حيث ابن سريج ، فقالا : والله لقرب أمير المؤمنين كان أحبّ إلينا من قربك يا مولى بني نوفل ، فإنّ في قربك لما يلذنا ويشغلنا عن كثير مما نريد ، فقال لهما إن سريج : أوقلة شكر ، فقال عدي : كأنك يا ابن اللخناء تمنّ علينا! عليّ ، وعليّ أن يجمعنا وإياك سقف بيت ، أو صحن دار إلّا عند أمير المؤمنين ، وأما الأحوص فقال : أو لا يحتمل لأبي يحيى الزلة والهفوة. كفارة يمين خير من عدم المحبة ، وإعطاء النفس سؤلها خير من لجاج (٣) في غير منفعة ، فتحول عدي وبقي الأحوص ، وبلغ الوليد ما جرى بينهم ، فدعا بابن سريج ، فأدخل بيتا وأرخى دونه سترا ، ثم أمره إذا فرغ الأحوص وعدي من كلتيهما أن يغنى ، فلما دخلا وأنشداه مدائح ليدفع صوته ابن سريج من حيث لا يرونه ، وضرب بعوده ، فقال عدي : يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أتكلم؟ قال : قل يا عاملي ، قال : مثل هذا عند أمير المؤمنين ويبعث إلى ابن سريج يتخطى به رقاب قريش والعرب من تهامة إلى الشام ، ترفعه أرض وتخفضه أخرى فقال : من هذا؟ قال ابن سريج : مولى بني نوفل ، فبعث إليه أمير المؤمنين ليسمع غناءه ، قال : ويحك يا عدي أو لا تعرف هذا الصوت؟ قال : لا والله ما سمعته قط ، ولا سمعت مثله حسنا ، ولو لا أنه في مجلس أمير المؤمنين لقلت : طائفة من الجن يتغنون ، فقال : اخرج عليهم ، فخرج ، فإذا ابن سريج ،
__________________
(١) الديوان والأغاني : من يريد.
(٢) الأصل وم ، وفي الديوان والأغاني : تناول.
(٣) اللجاج : التمادي في الخصومة.