وأنتم لا تطلبون إلّا دم هذا الرجل والعير التي أصاب ، وأنا احتمل ذلك وهو علي ، يا قوم ، إن يك محمّد كاذبا (١) تكفيكموه ذؤبان العرب ، وإن يك ملكا أكلتم في [ملك](٢) ابن أخيكم ، وإن يكن نبيا كنتم أسعد الناس به ، يا قوم لا تردّوا نصيحتي ، ولا تسفّهوا رأيي.
قال : فحسده أبو جهل حين سمع خطبته وقال : إن يرجع الناس عن خطبة عتبة يكن سيد الجماعة ، وعتبة أنطق الناس ، وأطوله (٣) لسانا ، وأجمله جمالا ، ثم قال عتبة : أنشدكم الله في هذه الوجوه التي [كأنها المصابيح ، أن تجعلوها أندادا لهذه الوجوه التي](٤) كأنها وجوه الحيات.
فلما فرغ عتبة من كلامه قالوا : قال أبو جهل : إن عتبة يشير عليكم بهذا لأن ابنه مع محمّد ، ومحمّد ابن عمه ، وهو يكره أن يقتل ابنه وابن عمه امتلأ والله سحرك يا عتبة ، وجبنت حين التقت حلقتا البطان الآن تخذل بيننا وتأمرنا بالرجوع؟ لا والله ، لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمّد ، قال : فغضب عتبة فقال : يا مصفّر استه ، ستعلم أيّنا أجبن وألأم وستعلم قريش من الجبان المفسد لقومه :
هذا جناني وأمرت أمري |
|
وبشّرا (٥) بالثّكل أمّ عمرو |
ثم ذهب أبو جهل إلى عامر بن الحضرمي أخي المقتول بنخلة فقال : هذا حليفك ـ يعني عتبة ـ يريد أن يرجع بالناس ، قد رأيت ثأرك بعينك ، ويخذل بين الناس ، قد تحمّل دم أخيك وزعم أنك قابل الدية ، ألا تستحي تقبل الدية ، وقد قدرت على قاتل أخيك؟ ، قم فانشد خفرتك (٦) ، فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ، ثم حثا على استه (٧) التراب ، ثم صرخ وا عمراه يخزي بذاك عتبة لأنه حليفه من بين قريش ، فأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة ، وحلف عامر لا يرجع حتى يقتل من أصحاب محمّد ، وقال لعمير بن وهب : حرّش بين الناس ، فحمل عمير فناوش المسلمين لأن ينقض الصف ، فثبت المسلمون على صفّهم ولم يزولوا ، وتقدّم ابن الحضرمي فشدّ على القوم ، فنشبت الحرب.
__________________
(١) الأصل : كاذب ، والتصويب عن م ومغازي الواقدي.
(٢) الزيادة عن م ومغازي الواقدي.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي مغازي الواقدي : وأطولهم ، وهو أصح.
(٤) ما بين معكوفتين إضافة عن م ومغازي الواقدي.
(٥) في مغازي الواقدي : هذا جبان ... فبشري.
(٦) الخفرة : الذمة ، وانشد خفرتك أي اذكرها.
(٧) كذا بالأصل ، وفي م ومغازي الواقدي : رأسه.