خرج عثمان بن الحويرث وكان يطمع أن يملك قريشا ، وكان من أظرف قريش وأعقلها ، حتى يقدم على قيصر ، وقد رأى موضع حاجتهم ومتجرهم ببلاده ، فذكر له مكة ورغّبه فيها ، وقال : تكون زيادة في ملكك كما ملك كسرى صنعاء ، فملّكه عليهم ، وكتب له إليهم ، فلما قدم عليهم قال : يا قوم إنّ قيصر من قد علمتم ، أمانكم ببلاده وما تصيبون من التجارة في كنفه ، وقد ملّكني عليكم ، وإنّما أنا ابن عمكم وأحدكم ، وإنّما آخذ منكم الجراب من القرظ (١) والعكّة (٢) من السمن ، والإهاب ، فأجمع ذلك ثم أبعث به إليه ، وأنا أخاف إن أبيتم ذلك أن يمتنع منكم الشام فلا تتّجروا به ، ويقطع مرفقكم منه ، فلما قال لهم ذلك خافوا قيصر ، وأخذ بقلوبهم ما ذكر من متجرهم ، فأجمعوا على أن يعقدوا على رأسه التاج عشية ، وفارقوه على ذلك.
فلما طافوا عشية بعث الله عليه ابن عمه أبان ، معه الأسود بن المطّلب بن أسد ، وصاح على ما كانت قريش في الطواف : يال عباد الله ، ملك بتهامة؟ فانحاشوا [انحياش](٣) حمر الوحش ، ثم قالوا : صدق واللات والعزّى ، ما كان بتهامة ملك قط ، فانتفضت قريش عمّا كانت قالت له ، لحق بقيصر ليعلمه.
قال : ونا الزبير ، حدّثني علي بن صالح ، عن عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير ، عن جعفر بن عبد الله بن عثمان بن عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد.
أن قيصر حمل عثمان على بغلة عليها سرج عليه الذهب حين ملّكه.
قال : ونا الزبير ، حدّثني محمّد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، عن أبيه قال :
قال الأسود بن المطّلب : حين أرادت قريش أن تملّك عثمان بن الحويرث عليها : إن قريشا لقاح (٤) لا تملك ، فخرج عثمان بن الحويرث إلى قيصر ليملّكه على قريش ، فكلّم تجار من تجار قريش بالشام : عمرو بن جفنة (٥) في عثمان بن الحويرث وسألوه أن يفسد عليه أمره ، فكتب إلى ترجمان قيصر يحوّل كلام عثمان ، فلما دخل عثمان على قيصر فكلّمه قال
__________________
(١) القرظ : محركة ، ورق السلم ، أو ثمر السنط (القاموس).
(٢) العكة بالضم ، آنية السمن ، أصغر من القربة (القاموس).
(٣) الزيادة عن م.
(٤) في تاج العروس بتحقيقنا : لقح : والحي اللّقاح والقوم اللّقاح الذين لا يدينون للملوك ولم يملكوا ، أو لم يصبهم في الجاهلية سباء.
(٥) هو عمرو بن جفنة الغساني انظر جمهرة ابن حزم ص ١٩٠.