العراق تاجرا ولا غير تاجر من كلّ بلد إلّا أخرجوا فرأيتهم في الجوامع ، واتّبع أهل الأهواء ، ففظع الهيصم ، ومنجور فقطع أيديهما وأرجلهما ثم صلبهما ، وكانا من الخوارج ، وسمعته يخطب على المنبر وهو يقول بعد حمد الله : أيها الناس إذا وجدنا أهل غشّ لأمير المؤمنين في قديم الدهر وحديثه وقرضوا إليكم من لا يزيدكم إلّا خبالا ، أهل العراق هم أهل الشقاق والنفاق ، وهم والله عش النفاق وبيضته التي انفلقت عنه ، والله ما سبرت عراقيا قط فوجدت عنده دينا ، وإنّ أفضلهم حالا عند نفسه الذي يقول في آل أبي طالب ما يقول : وما لهم لهم بشيعة ، إنهم لأعداء لهم ولغيرهم ، ولكن لما يريد الله من سفك (١) دمائهم ، والتقرب إليه بذلك منهم ، وإنّي والله لا أوتى بأحد منكم أكرى احدا منهم منزلا ولا أنزله إلّا هدمت منزله وأحللت به ما هو أهله ، إنّ البلدان مصّرها عمر بن الخطاب ، وهو مجتهد على ما يصلح رعيته ، فجعل يمرّ عليه من يريد الجهاد فيستشيره : الشام أحبّ إليك أم العراق؟ فيقول : الشام أحبّ إليّ ، إنّي رأيت العراق داء عضالا ، وبها فرخ الشيطان ، والله لو عضلوا أبي ، وإني لأراني سأفرقهم في البلدان ثم أقول لو فرقتهم (٢) لأفسدوا من دخلوا عليه مع [جدل](٣) وحجاج وكيف ولم وسرعة وجيف في الفتنة فإذا خبروا عند السيف لم يخبر منهم طائل ، ولم يصلحوا على عثمان وهو من بعد الإمام المظلوم الشهيد ، فلقي منهم الأمرين ، وكانوا هم أوّل الناس ، فتق هذا الفتق ، ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة ، وانفلوا البلدان ، والله إني لأتقرب (٤) إلى الله بكلّ ما أفعل بهم لما أعرف من رأيهم ومذاهبهم ثم وليهم أمير المؤمنين فلم يصطلحوا عليه ، ثم يزيد بن معاوية فلم يصطلحوا ، ووليهم رجل الناس جلدا ـ يعني عبد الملك ـ فبسط عليهم السيف ، وأخافهم ، فاستقاموا له ، أحبّوا أو كرهوا ، وذلك أنه خبرهم ، فعرفهم.
أيها الناس ، إنا والله ما رأينا شعارا قط مثل الأمن ، ولا رأينا جليسا (٥) قط شرا من خوف ، فالزموا الطاعة ، فإنّ عندي يا أهل المدينة خبره من الخلاف ، والله ما أنتم بأصحاب قتال ، ولا بصيرة ، إنّما أنتم قوم حصر في فلاة من الأرض لو قطع مشربكم لمتم قدع (٦) الطعام ولا تزالون تبنون فيها ، فكونوا من أجلاس بيوتكم ، وعضوا على النواجذ ، وإنّي قد بعثت في
__________________
(١) الأصل : سقط ، والمثبت عن م.
(٢) بالأصل «لفرقتهم» والمثبت : «لو فرقتهم» عن م.
(٣) الزيادة عن م.
(٤) بالأصل : «والله لا أتقرب» والمثبت عن م.
(٥) بدون إعجام وغير مقروءة بالأصل ، والمثبت عن م.
(٦) قدعه ؛ كفّه ، والمقدوع : المنصب على الشيء.
والتقادع : الموت بعض في إثر بعض.