فكثر في ذلك اللغط والاختلاف ، ثم قال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين إنّ هذا الأمر أمر أعفاك الله من أن يكون بعد ما بويعت وكان قبل أن يكون لك على الناس سلطان ، فأعرض عنه ، فتفرق الناس عن خطبة عمرو ، انتهى إليه أمير المؤمنين ، وودي الرجلان والجارية.
وهذا مختصر من حديث.
أخبرناه أبو بكر وجيه بن طاهر ، أنا أبو حامد أحمد بن الحسن ، أنا أبو سعيد محمّد بن عبد الله بن حمدون ، أنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن الحسن ، نا محمّد بن يحيى بن عبد الله الذهلي (١) ، نا عبد الرّزّاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيّب أن عبد الرّحمن بن أبي بكر ـ ولم يجرب عليه كذبة قط ـ قال حين قتل عمر :
إنّي انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجيّ فبغتّهم ، فثاروا ، فسقط من بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه ؛ قال عبد الرّحمن : فانظروا بما قتل عمر؟ (٢) فنظروا فإذا الخنجر على النعت الذي نعت عبد الرّحمن ، قال : فخرج عبيد الله بن عمر مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان فقال : أصحبني تنظر إلى فرس لي ، وكان الهرمزان بصيرا بالخيل ، فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف ، فلما وجد حرّ السيف قال : لا إله إلّا الله ، فقتله ثم أتى جفينة ـ وكان نصرانيا فدعاه فلما أشرف له علاه بالسيف فصلّب جفينة بين عينيه ، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة ، جارية صغيرة تدّعي بالإسلام ، فقتلها ، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ثلاثا ، قال : وأقبل بالسيف صلتا ، وهو يقول : والله لا أترك بالمدينة سبيا إلّا قتلته ، وغيرهم (٣) وكان يعرّض بناس من المهاجرين قال : فجعلوا يقولون له : ألق السيف ، ويأبى ، وهم يهابون أن يقربوه (٤) حتى أتى عمرو بن العاص ، فقال : أعطني السيف يا ابن أخي ، فأعطاه إيّاه ثم ثار إليه عثمان ، فأخذ برأسه ، فتناصيا (٥) حتى حجز الناس بينهما.
فلما ولي عثمان قال : أشيروا عليّ في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق ـ يعني عبيد الله بن عمر ـ فأشار عليه المهاجرون أن يقتله ، وقال جماعة الناس : قتل عمر أمس ، وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم؟ أبعد الله الهرمزان وجفينة. فقال عمرو بن العاص يا أمير المؤمنين إنّ الله قد أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس سلطان ، إنّما كان هذا ولا
__________________
(١) من هذه الطريق رواه ابن حجر في الإصابة ٣ / ٧٥ ـ ٧٦.
(٢) أقحم بعدها بالأصل : عثمان.
(٣) كذا بالأصل وم. يريد أنه سيقتل غيرهم ، ممن أخذوا عليه قتل الهرمزان وجفينة.
(٤) الأصل : يقتربوه ، والمثبت عن م.
(٥) تناصيا أي أخذا بالنواصي ، يعني كل واحد أخذ بناصية الآخر.