مسوّدة «تاريخ صور» وكان لهذين الكتابين الفضل في وصول أكثرية أسماء محدثي السنة ورواتهم إلينا ، أما علماء الشيعة فلم نعرف من أسمائهم إلّا ما ورد من ترجمة لهم في كتب السنة ، اللهمّ إلا القليل الذي أوردته كتب الشيعة ، والسبب يعود لعدم وصول أي كتاب من كتبهم إلينا ، لضياع التراث العاملي الشيعي القديم في المحن وعمليات الإبادة والتحريف التي تعرّض لها الإنسان والكتاب على يد السلاجقة والمماليك وغيرهم.
وفي العصر الصليبي كان العامليون لا يمتلكون أبسط حقوقهم الطبيعية تحت الاحتلال ، وقد انعكست ظروفهم على الحالة العلمية والفكرية ، ويستدلّ عليه من ندرة أسماء العلماء والشعراء الذين وصلتنا أسماؤهم ، وما وصلنا من تراجم لشخصيات صورية أو صيداوية ، فإنّهم كانوا خارج الجبل في دمشق أو مصر ، لا في داخله. ومع ذلك حافظ العامليون على ثقافتهم ودينهم وذاتهم محافظة تامّة بحيث ما إن انجلى الاحتلال حتّى رأينا جبل عامل ينهض من جديد نهضة فكرية وعلمية وأدبية هائلة وعجيبة في آن معا ، وكأن الاحتلال لم يكن سوى جملة معترضة لا معنى لها في التاريخ العاملي ، فعندما كسرت قيودها عادت الروح إلى الحياة الفكرية التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ، وفتحت المدارس في جزّين ومجدل سلم وغيرها ، وخرجت هذه المدارس مئات العلماء الأعلام من الشيعة الذين وصلتنا آثارهم وتراجمهم بخلاف ما حدث في العصور السابقة ، وقلّ ما وصلنا من أسماء لعلماء من السنّة العامليين في العصر المملوكي.
سابعا : خضع الجبل العاملي للاحتلال الصليبي جزئيا أو كليا زهاء قرنين أي من سنة ٤٩٣ ه إلى سنة ٦٩٠ ه ، ويمكن تقسيمها إلى مراحل ثلاث.