لهم رجل : قد أكثرتم ، فلا عليكم يمضي كلّ واحد منكم إلى صاحبه ، يسأله حتى ينظر ما يعطيه ، ونحكم على العيان ، فقام صاحب عبد الله بن جعفر ، فصادفه وقد وضع رجله في غرز راحلته ، يريد ضيعة له ، فقال له : يا بن عمّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : قل ما تشاء ، قال : ابن سبيل ومنقطع به ، قال : فأخرج رجله من الغرز وقال : ضع رجلك ، واستو على الناقة ، وخذ ما في الحقيبة ، ولا تحد عن السيف فإنه من سيوف علي بن أبي طالب ، وامض لشأنك ، قال : فجاء بالناقة والحقيبة فيها مطارف خزّ ، وفيها أربعة آلاف دينار ، وأعظمها وأجلّها خطرا (١) السيف.
ومضى صاحب قيس بن سعد بن عبادة فلم يصادفه وعاد ، فقالت له الجارية : هو نائم ، فما حاجتك إليه؟ قال : ابن سبيل ومنقطع به ، قالت : فحاجتك أيسر من أيقاظه ، هذا كيس فيه سبع مائة دينار ، ما في دار قيس مال في هذا اليوم غيره ، وامض إلى معاطن (٢) الإبل ، إلى مولانا بغلامينا (٣) ، فخذ راحلة مرحلة ، وما يصلحها ، وعبدا ، وامض لشأنك ، فقيل : إنّ قيسا انتبه من رقدته ، فخبرته المولاة بما صنعت ، فأعتقها ، وقال لها : ألا أنبهتني فكنت أزيده من عروض (٤) ما في منزلنا ، فلعل ما أعطيته لم يقع بحيث ما أراد.
ومضى صاحب عرابة الأوسي إليه ، فألفاه وقد خرج من منزله يريد الصلاة ، وهو متوكّئ على عبدين ، وقد كفّ بصره ، فقال : يا عرابة ، قال : قل ما تشاء ، قال : ابن سبيل ومنقطع به ، قال : فخلّى عن العبدين ، ثم صفّق بيده اليمنى على اليسرى ثم قال : أوه أوه ، والله ما أصبحت ، ولا أمسي وقد تركت الحقوق لعرابة من مال ، ولكن خذهما ـ يعني : العبدين ـ قال : ما كنت بالذي أفعل ، أقص جناحيك ، قال : إن لم تأخذهما فهما حرّان ، وإن شئت فأعتق ، وإن شئت فخذ ، وأقبل يلتمس الحائط بيده ، قال : فأخذهما وجاء بهما.
قال : فحكم الناس على ابن جعفر قد جاد بمال عظيم ، وإنّ ذلك ليس بمستنكر له إلّا أن السيف أجلّها ، وأن قيسا أحد الأجواد حكّم مملوكة في ماله بغير علمه ، واستحسانه ما فعله وعتقه لها ، وما تكلم به وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الأوسي لأنه جهد من مقلّ.
__________________
(١) بالأصل وم : خطر.
(٢) معاطن الإبل : مباركها على الماء.
(٣) بالأصل وم : بعلامتنا ، والمثبت عن المختصر.
(٤) العروض : أمتعة لا يدخلها وزن ولا كيل ، واحدها عرض.