أي الملوك أولى بالحزم ، فقال (١) : (من ملك جده هزله (٢) ، وأعرب عن ضميره فعله ، ولم يخدعه رضاه عن حظه ، ولا غضبه عن كيده). وقال آخر من الفلاسفة : في صفة ملك بالحزم : (انه ينبغي الا يبلغ من الشدة الى ما يلحق معه الفظاظة ، ولا من اللين الى ما ينسب معه الى المهانة). وهذا من جنس قول عمر بن الخطاب [رضى الله عنه](٣) حيث قال «انه ينبغي للوالي ان يكون شديدا في غير عنف ولينا في غير ضعف» ... ولعبد الملك ابن مروان فصل من كلام يحتاج الملوك الى تقبله ، وهو قوله : (ان أفضل الناس من تواضع عن رفعة ، وزهد عن قدرة ، وانصف عن قوة).
ومما يحتاج اليه الملوك ويزيد في قوتهم عليه ، التمهر في العلوم ، ومجالسة أهل الآداب والحلوم ، والحذق بالمحاجة ومقاومة ذوي الجدل عند المخاصمة ، فانه يحكى عن المأمون انه قال لرجل من الخوارج أدخل اليه : ما الذي حملك على خلافنا والخروج علينا فقال الخارجي : آية وجدتها في كتاب الله قال قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)(٤) فقال له المأمون : ألك علم بأنها منزلة قال نعم ، قال : وما الدليل على ذلك ، قال : أجماع الامة. فقال له المأمون : فلما رضيت باجماعهم في التنزيل ، فأرض باجماعهم في التأويل ، فقال الخارجى : صدقت والسلام عليك يا أمير المؤمنين. فنجوع هذا الخارجي بالطاعة التي قاده اليها بالحجة ، أحسن من غلبته بالقتال والحرب ...
__________________
(١) جاء في كتاب زهر الآداب وثمرة الالباب لابن رشيق القيرواني : قال الحسن بن سهل خرج بعض ملوك الفرس متنزها فلقي بعض الحكماء فسأله عن احزم الملوك فقال : من ملك جده هزله ، وقهر لبه هواه ، واعرب لسانه عن ضميره ، ولم يخدعه رضاه عن سخطه ، ولا غضبه عن صدقه. ص ٤ ـ ٥.
(٢) في نسخة س ، ت : جده وهزله.
(٣) ليست في س ، ت.
(٤) سورة المائدة : ٥ الآية ٤٤.