لتظهر منزلتهم ، وكان صلىاللهعليهوسلم سمحا لا يرد أحدا ، فنزلت مشددة عليهم أمر المناجاة. وهذا الحكم قيل : نسخ قبل العمل به. وقال قتادة : عمل به ساعة من نهار. وقال مقاتل : عشرة أيام. وقال عليّ ، كرم الله وجهه : ما عمل به أحد غيري ، أردت المناجاة ولي دينار ، فصرفته بعشرة دراهم ، وناجيت عشر مرار ، أتصدق في كل مرة بدرهم ، ثم ظهرت مشقة ذلك على الناس ، فنزلت الرخصة في ترك الصدقة. وقرىء : صدقات بالجمع. وقال ابن عباس : هي منسوخة بالآية التي بعدها. وقيل : بآية الزكاة. (أَأَشْفَقْتُمْ) : أخفتم من ذهاب المال في الصدقة ، أو من العجز عن وجودها تتصدقون به؟ (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا) : ما أمرتم به ، (وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) : عذركم ورخص لكم في أن لا تفعلوا ، فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وأفعال الطاعات.
(الَّذِينَ تَوَلَّوْا) : هم المنافقون ، والمغضوب عليهم : هم اليهود ، عن السدي ومقاتل ، أنه صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه : «يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان» ، فدخل عبد الله بن أبي بن سلول ، وكان أزرق أسمر قصيرا ، خفيف اللحية ، فقال عليه الصلاة والسلام : «علام تشتمني أنت وأصحابك»؟ فحلف بالله ما فعل ، فقال عليه الصلاة والسلام له : «فعلت» ، فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه ، فنزلت. والضمير في (ما هُمْ) عائد على (الَّذِينَ تَوَلَّوْا) ، وهم المنافقون : أي ليسوا منكم أيها المؤمنون ، (وَلا مِنْهُمْ) : أي ليسوا من الذين تولوهم ، وهم اليهود. وما هم استئناف إخبار بأنهم مذبذبون ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما قال عليه الصلاة والسلام : «مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين لأنه مع المؤمنين بقوله ومع الكفار بقلبه». وقال ابن عطية : يحتمل تأويلا آخر ، وهو أن يكون قوله : (ما هُمْ) يريد به اليهود ، وقوله : (وَلا مِنْهُمْ) يريد به المنافقين ، فيجيء فعل المنافقين على هذا التأويل أحسن ، لأنهم تولوا مغضوبا عليهم ، ليسوا من أنفسهم فيلزمهم ذمامهم ، ولا من القوم المحقين فتكون الموالاة صوابا. انتهى. والظاهر التأويل الأول ، لأن الذين تولوا هم المحدث عنهم. والضمير في (وَيَحْلِفُونَ) عائد عليهم ، فتتناسق الضمائر لهم ولا تختلف. وعلى هذا التأويل يكون (ما هُمْ) استئنافا ، وجاز أن يكون حالا من ضمير (تَوَلَّوْا). وعلى احتمال ابن عطية ، يكون (ما هُمْ) صفة لقوم. (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) ، إما أنهم ما سبوا ، كما روي في سبب النزول ، أو على أنهم مسلمون. والكذب هو ما ادعوه من الإسلام. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) : جملة حالية يقبح عليهم ، إذ حلفوا على خلاف ما أبطنوا ، فالمعنى : وهم عالمون متعمدون له. والعذاب الشديد :