المعد لهم في الآخرة. وقرأ الجمهور : (أَيْمانَهُمْ) جمع يمين ؛ والحسن : إيمانهم ، بكسر الهمزة : أي ما يظهرون من الإيمان ، (جُنَّةً) : أي ما يتسترون به ويتقون المحدود ، وهو الترس ، (فَصَدُّوا) : أي أعرضوا ، أو صدوا الناس عن الإسلام ، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله ، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان ، وقتلهم هو سبيل الله فيهم ، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم.
(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) : تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران. (فَيَحْلِفُونَ لَهُ) : أي لله تعالى. ألا ترى إلى قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١)؟ (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) أنهم مؤمنون ، وليسوا بمؤمنين. والعجب منهم ، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة ، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب ، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) : أي شيء نافع لهم.
(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) : أي أحاط بهم من كل جهة ، وغلب على نفوسهم واستولى عليها ، وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى : (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) (٢) في النساء ، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها ، وجمعها غالبا لها ، ومنه كان أحوذيا نسيج وحده. وقرأ عمر : استحاذ ، أخرجه على الأصل والقياس ، واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال. (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) : فهم لا يذكرونه ، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم ؛ و (حِزْبُ الشَّيْطانِ) : جنده ، قاله أبو عبيدة. (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) : هي أفعل التفضيل ، أي في جملة من هو أذل خلق الله تعالى ، لا ترى أحدا أذل منهم.
وعن مقاتل : لما فتح الله مكة للمؤمنين ، والطائف وخيبر وما حولهم ، قالوا : نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم ، فقال عبد الله بن أبي : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك ، فنزلت : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) : (كَتَبَ) : أي في اللوح المحفوظ ، أو قضى. وقال قتادة : بمعنى قال ، (وَرُسُلِي) : أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثت منهم بالحجة. (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) : ينصر حزبه ، (عَزِيزٌ) : يمنعه من أن يذل.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٢٣.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٤١.