(لا تَجِدُ قَوْماً) ، قال الزمخشري ، من باب التخييل : خيل أن من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوادون المشركين ، والغرض منه أنه لا ينبغي أن يكون ذلك ، وحقه أن يمتنع ، ولا يوجد بحال مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله. وزاد ذلك تأكيدا بقوله : (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ). انتهى. وبدأ بالآباء لأنهم الواجب على الأولاد طاعتهم ، فنهاهم عن موادتهم. وقال تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) (١) ، ثم ثنى بالأبناء لأنهم أعلق بالقلوب ، ثم أتى ثالثا بالإخوان لأنهم بهم التعاضد ، كما قيل :
أخاك أخاك إن من لا أخا له |
|
كساع إلى الهيجا بغير سلاح |
ثم رابعا بالعشيرة ، لأن بها التناصر ، وبهم المقاتلة والتغلب والتسرع إلى ما دعوا إليه ، كما قال :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم |
|
في النائبات على ما قال برهانا |
وقرأ الجمهور : (كَتَبَ) مبنيا للفاعل ، (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) نصبا ، أي كتب الله. وأبو حيوة والمفضل عن عاصم : كتب مبنيا للمفعول ، والإيمان رفع. والجمهور : (أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) على الإفراد ؛ وأبو رجاء : على الجمع ، والمعنى : أثبت الإيمان في قلوبهم وأيدهم بروح منه تعالى ، وهو الهدى والنور واللطف. وقيل : الروح : القرآن. وقيل : جبريل يوم بدر. وقيل : الضمير في منه عائد على الإيمان ، والإنسان في نفسه روح يحيا به المؤمن ، والإشارة بأولئك كتب إلى الذين لا يوادّون من حادّ الله ورسوله. قيل : والآية نزلت في أبي حاطب بن أبي بلتعة. وقيل : الظاهر أنها متصلة بالآي التي في المنافقين الموالين لليهود. وقيل : نزلت في ابن أبيّ وأبي بكر الصديق ، رضي الله تعالى عنه ، كان منه سب للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فصكه أبو بكر صكة سقط منها ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : «أو فعلته»؟ قال : نعم ، قال : «لا تعد» ، قال : والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته. وقيل : في أبي عبيدة بن الجراح ، قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم أحد ، وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز ، وفي مصعب بن عمير قتل أخاه بن عمير يوم أحد. وقال ابن شوذب : يوم
__________________
(١) سورة لقمان : ٣١ / ١٥.