فيما يقسم من الأموال. وقيل : هو مستأنف مرفوع بالابتداء ، والخبر (يُحِبُّونَ). أثنى الله تعالى بهذه الخصال الجليلة ، كما أنثى على المهاجرين بقوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً) إلخ ، والإيمان معطوف على الدار ، وهي المدينة ، والإيمان ليس مكانا فيتبوأ. فقيل : هو من عطف الجمل ، أي واعتقدوا الإيمان وأخلصوا فيه ، قاله أبو عليّ ، فيكون كقوله : علفتها تبنا وماء باردا أو يكون ضمن (تَبَوَّؤُا) معنى لزموا ، واللزوم قدر مشترك في الدار والإيمان ، فيصح العطف. أو لما كان الإيمان قد شملهم ، صار كالمكان الذي يقيمون فيه ، لكن يكون ذلك جمعا بين الحقيقة والمجاز. قال الزمخشري : أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان ، فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه ، وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه ؛ أو سمى المدينة ، لأنها دار الهجرة ومكان ظهور الإيمان بالإيمان. وقال ابن عطية : والمعنى تبوؤا الدار مع الإيمان معا ، وبهذا الاقتران يصح معنى قوله : (مِنْ قَبْلِهِمْ) فتأمله. انتهى. ومعنى (مِنْ قَبْلِهِمْ) : من قبل هجرتهم ، (حاجَةً) : أي حسدا ، (مِمَّا أُوتُوا) : أي مما أعطي المهاجرون ، ونعم الحاجة ما فعله الرسول صلىاللهعليهوسلم في إعطاء المهاجرين من أموال بني النضير والقرى.
(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ) : من ذلك قصة الأنصاري مع ضيف الرسول صلىاللهعليهوسلم ، حيث لم يكن لهم إلا ما يأكل الصبية ، فأوهمهم أنه يأكل حتى أكل الضيف ، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام : «عجب الله من فعلكما البارحة» ، فالآية مشيرة إلى ذلك. وروي غير ذلك في إيثارهم. والخصاصة : الفاقة ، مأخوذة من خصاص البيت ، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج : والفتوح ، فكأن حال الفقير هي كذلك ، يتخللها النقص والاحتياج. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة : شح بكسر الشين. والجمهور : بإسكان الواو وتخفيف القاف وضم الشين ، والشح : اللؤم ، وهو كزازة النفس على ما عندها ، والحرص على المنع. قال الشاعر :
يمارس نفسا بين جنبيه كزة |
|
إذا همّ بالمعروف قالت له مهلا |
وأضيف الشح إلى النفس لأنه غريزة فيها. وقال تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ) (١) ، وفي الحديث : «من أدّى الزكاة المفروضة وقرى الضيف وأعطى في النائبة فقد برىء من الشح». (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) : الظاهر أنه معطوف على ما قبله من
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٢٨.