إلى ربنا حتى نعنى فيه ، ففرض الجهاد ؛ وأعلم تعالى بحب المجاهدين ، فكرهه قوم وفر بعضهم يوم أحد ، فنزلت ، أقوال. الأول : لابن زيد ، والثاني : لقتادة ، والثالث : لابن عباس وأبي صالح.
ومناسبتها لآخر السورة قبلها ، أن في آخر تلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) (١) ، فاقتضى ذلك إثبات العداوة بينهم ، فحض تعالى على الثبات إذا لقي المؤمنون في الحرب أعداءهم. والنداء ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، إن كان للمؤمنين حقيقة ، فالاستفهام يراد به التلطف في العتب ، وإن كان للمنافقين ، فالمعنى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أي بألسنتهم ، والاستفهام يراد به الإنكار والتوبيخ وتهكم بهم في إسناد الإيمان إليهم ، ولم يتعلق بالفعل وحده. ووقف عليه بالهاء أو بسكون الميم ، ومن سكن في الوقف فلإجرائه مجرى الوقف ، والظاهر انتصاب (مَقْتاً) على التمييز ، وفاعل (كَبُرَ) : أن (تَقُولُوا) ، وهو من التمييز المنقول من الفاعل ، والتقدير : كبر مقت قولكم ما لا تفعلون. ويجوز أن يكون من باب نعم وبئس ، فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالتمييز ، وأن تقولوا هو المخصوص بالذم ، أي بئس مقتا قولكم كذا ، والخلاف الجاري في المرفوع في : بئس رجلا زيد ، جار في (أَنْ تَقُولُوا) هنا ، ويجوز أن يكون في كبر ضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله : (لِمَ تَقُولُونَ) ، أي كبر هو ، أي القول مقتا ، ومثله كبرت كلمة ، أي ما أكبرها كلمة ، وأن تقولوا بدل من المضمر ، أو خبر ابتداء مضمر. وقيل : هو من أبنية التعجب ، أي ما أكبره مقتا. وقال الزمخشري : قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله :
غلت ناب كليب بواؤها
ومعنى التعجب : تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظرائه وأشكاله ، وأسند إلى (أَنْ تَقُولُوا) ونصب (مَقْتاً) على تفسيره ، دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه لفرط تمكن المقت منه ، واختير لفظ المقت لأنه أشدّ البغض ، ولم يقتصر على أن جعل البغض كثيرا حتى جعل أشدّه وأفحشه ، وعند الله أبلغ من ذلك ، لأنه إذا ثبت كبر مقته عند الله فقد تم كبره وشدته. انتهى. وقال ابن عطية : والمقت : البغض من أجل ذنب أو ريبة أو دناءة يصنعها الممقوت. انتهى. وقال المبرد : رجل ممقوت ومقيت ، إذا كان يبغضه كل أحد. انتهى. وقرأ زيد بن عليّ : يقاتلون بفتح التاء. وقيل : قرىء يقتلون ، وانتصب صفا على الحال ، أي صافين
__________________
(١) سورة الممتحنة : ٦٠ / ١٣.