تزعمون أنه في السماء؟ وهو المتعالي عن المكان. وقيل : من على حذف مضاف ، أي خالق من في السماء. وقيل : من هم الملائكة. وقيل : جبريل ، وهو الملك الموكل بالخسف وغيره. وقيل : من بمعنى على ، ويراد بالعلو القهر والقدرة لا بالمكان ، وفي التحرير : الإجماع منعقد على أنه ليس في السماء بمعنى الاستقرار ، لأن من قال من المشبهة والمجسمة أنه على العرش لا يقول بأنه في السماء. (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ) وهو ذهابها سفلا ، (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) : أي تذهب أو تتموج ، كما يذهب التراب في الريح. وقد تقدم شرح الحاصب في سورة الإسراء ، والنذير والنكير مصدران بمعنى الإنذار والإنكار ، وقال حسان بن ثابت :
فأنذر مثلها نصحا قريشا |
|
من الرحمن إن قبلت نذير |
وأثبت ورش ياء نذيري ونكيري ، وحذفها باقي السبعة. ولما حذرهم ما يمكن إحلاله بهم من الخسف وإرسال الحاصب ، نبههم على الاعتبار بالطير وما أحكم من خلقها ، وعن عجز آلهتهم عن شيء من ذلك ، وناسب ذلك الاعتبار بالطير ، إذ قد تقدمه ذكر الحاصب ، وقد أهلك الله أصحاب الفيل بالطير والحاصب الذي رمتهم به ، ففيه إذكار قريش بهذه القصة ، وأنه تعالى لو شاء لأهلكهم بحاصب ترمي به الطير ، كما فعل بأصحاب الفيل. (صافَّاتٍ) : باسطة أجنحتها صافتها حتى كأنها ساكنة ، (وَيَقْبِضْنَ) : ويضممن الأجنحة إلى جوانبهن ، وهاتان حالتان للطائر يستريح من إحداهما إلى الأخرى. وعطف الفعل على الاسم لما كان في معناه ، ومثله قوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ) (١) ، عطف الفعل على الاسم لما كان المعنى : فاللاتي أغرن صبحا فأثرن ، ومثل هذا العطف فصيح ، وعكسه أيضا جائز إلا عند السهيلي فإنه قبيح ، نحو قوله :
بات يغشيها بغضب باتر |
|
يقصد في أسوقها وجائر |
أي : قاصد في أسوقها وجائر. وقال الزمخشري : (صافَّاتٍ) : باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ، لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا ، (وَيَقْبِضْنَ) : ويضمنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت : لم قيل (وَيَقْبِضْنَ) ، ولم يقل : وقابضات؟ قلت : أصل الطيران هو صف الأجنحة ، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها. وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على
__________________
(١) سورة العاديات : ١٠٠ / ٣ ـ ٤.