والسعي : التكسب ، ويرى مبني للمفعول ، أي سوف يراه حاضرا يوم القيامة. وفي عرض الأعمال تشريف للمحسن وتوبيخ للمسيء ، والضمير المرفوع في يجزاه عائد على الإنسان ، والمنصوب عائد على السعي ، والجزاء مصدر. قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير للجزاء ، ثم فسره بقوله : (الْجَزاءَ الْأَوْفى). وإذا كان تفسيرا للمصدر المنصوب في يجزاه ، فعلى ماذا انتصابه؟ وأما إذا كان بدلا ، فهو من باب بدل الظاهر من الضمير الذي يفسره الظاهر ، وهي مسألة خلاف ، والصحيح المنع. وقرأ الجمهور : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ) وما بعدها من (وَأَنَّهُ) ، وأن بفتح الهمزة عطفا على ما قبلها. وقرأ أبو السمال : بالكسر فيهن ، وفي قوله : (الْأَوْفى) وعيد للكافر ووعد للمؤمن ، ومنتهى الشيء : غايته وما يصل إليه ، أي إلى حساب ربك والحشر لأجله ، كما قال : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (١) : أي إلى جزائه وحسابه ، أو إلى ثوابه من الجنة وعقابه من النار ؛ وهذا التفسير المناسب لما قبله في الآية. وعن أبي ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) ، لا فكرة في الرب. وروى أنس عنه صلىاللهعليهوسلم : «إذا ذكر الرب فانتهوا».
(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) : الظاهر حقيقة الضحك والبكاء. قال مجاهد : أضحك أهل الجنة ، وأبكى أهل النار. وقيل : كنى بالضحك عن السرور ، وبالبكاء عن الحزن. وقيل : أضحك الأرض بالنبات ، وأبكى السماء بالمطر. وقيل : أحيا بالإيمان ، وأبكى بالكفر. وقال الزمخشري : (أَضْحَكَ وَأَبْكى) : خلق قوتي الضحك والبكاء. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال ، إذ أفعال العباد من الضحك والبكاء وغيرهما مخلوقة للعبد عندهم ، لا لله تعالى ، فلذلك قال : خلق قوتي الضحك والبكاء. (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) المصطحبين من رجل وامرأة وغيرهما من الحيوان ، (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) : أي إذا تدفق ، وهو المني. يقال : أمنى الرجل ومنى. وقال الأخفش : إذا يمنى : أي يخلق ويقدر من مني الماني ، أي قدر المقدر. (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى) : أي إعادة الأجسام : أي الحشر بعد البلى ، وجاء بلفظ عليه المشعرة بالتحتم لوجود الشيء لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله : (عَلَيْهِ) بوجودها لا محالة ، وكأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ، وتقدم الخلاف في قراءة النشأة في سورة العنكبوت. وقال الزمخشري : وقال (عَلَيْهِ) ، لأنها واجبة عليه في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة. انتهى ، وهو على طريق الاعتزال.
(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) : أي أكسب القنية ، يقال : قنيت المال : أي كسبته ، وأقنيته
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٢٨ ، وسورة النور : ٢٤ / ٤٢ ، وسورة فاطر : ٣٥ / ١٨.