إياه : أي أكسبته إياه ، ولم يذكر متعلق أغنى وأقنى لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى. وقد تكلم المفسرون على ذلك فقالوا اثني عشر قولا ، كقولهم : أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، وكل قول منها لا دليل على تعينه ، فينبغي أن تجعل أمثلة. والشعرى التي عبدت هي العبور. وقال السدّي : كانت تعبدها حمير وخزاعة. وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة ، أحد أجداد النبي صلىاللهعليهوسلم ، من قبل أمهاته ، وكان اسمه عبد الشعرى ، ولذلك كان مشركو قريش يسمونه عليهالسلام : ابن أبي كبشة ، ومن ذلك كلام أبي سفيان : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة. ومن العرب من كان يعظمها ولا يعبدها ، ويعتقد تأثيرها في العالم ، وأنها من الكواكب الناطقة ، يزعم ذلك المنجمون ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها ، وهي تقطع السماء طولا ، والنجوم تقطعها عرضا. وقال مجاهد وابن زيد : هو مرزم الجوزاء.
(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) : جاء بين أن وخبرها لفظ هو ، وذلك في قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ) ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ) ، (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) ، (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى). ففي الثلاثة الأول ، لما كان قد يدعي ذلك بعض الناس ، كقول نمروذ : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) (١) ، احتيج إلى تأكيد في أن ذلك إنما هو لله لا غيره ، فهو الذي يضحك ويبكي ، وهو المميت المحيي ، والمغني ، والمقني حقيقة ، وإن ادّعى ذلك أحد فلا حقيقة له. وأما (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) ، فلأنها لما عبدت من دون الله تعالى ، نص على أنه تعالى هو ربها وموجدها. ولما كان خلق الزوجين ، والإنشاء الآخر ، وإهلاك عاد ومن ذكر ، لا يمكن أن يدعي ذلك أحد ، لم يحتج إلى تأكيد ولا تنصيص أنه تعالى هو فاعل ذلك. وعاد الأولى هم قوم هود ، وعاد الأخرى إرم. وقيل : الأولى : القدماء لأنهم أول الأمم هلاكا بعد قوم نوح عليهالسلام. وقيل : الأولى : المتقدّمون في الدنيا الأشراف ، قاله الزمخشري. وقال ابن زيد والجمهور : لأنها في وجه الدهر وقديمه ، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة. وقال الطبري : وصفت بالأولى ، لأن عادا الآخرة قبيلة كانت بمكة مع العماليق ، وهو بنو لقيم بن هزال. وقال المبرد : عاد الأخيرة هي ثمود ، والدليل عليه قول زهير :
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
ذكره الزهراوي. وقيل : عاد الأخيرة : الجبارون. وقيل : قبل الأولى ، لأنهم كانوا من قبل ثمود. وقيل : ثمود من قبل عاد. وقيل : عاد الأولى : هو عاد بن إرم بن عوص بن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٨.