والأشقياء ، وقال : (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) (١) ، ذكر حديث القيامة وما أعد الله تعالى لأهل السعادة وأهل الشقاوة ، وأدرج بينهما شيئا من أحوال الذين كذبوا الرسل ، كعاد وثمود وفرعون ، ليزدجر بذكرهم وما جرى عليهم الكفار الذين عاصروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانت العرب عالمة بهلاك عاد وثمود وفرعون ، فقص عليهم ذلك.
(الْحَاقَّةُ) : المراد بها القيامة والبعث ، قاله ابن عباس وغيره ، لأنها حقت لكل عامل عمله. وقال ابن عباس وغيره : لأنها تبدي حقائق الأشياء. وقيل : سميت بذلك لأن الأمر يحق فيها ، فهي من باب ليل نائم. والحاقة اسم فاعل من حق الشيء إذا ثبت ولم يشك في صحته. وقال الأزهري : حاققته فحققته أحقه : أي غالبته فغلبته. فالقيامة حاقة لأنها تحقق كل محاق في دين الله بالباطل ، أي كل مخاصم فتغلبه. وقيل : الحاقة مصدر كالعاقبة والعافية ، والحاقة مبتدأ ، وما مبتدأ ثان ، والحاقة خبره ، والجملة خبر عن الحاقة ، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه نحو : زيد ما زيد ، وما استفهام لا يراد حقيقته بل التعظيم ، وأكثر ما يربط بتكرار المبتدأ إذا أريد ، يعني التعظيم والتهويل. (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) : مبالغة في التهويل ، والمعنى أن فيها ما لم يدر ولم يحط به وصف من أمورها الشاقة وتفصيل أوصافها. وما استفهام أيضا مبتدأ ، و (أَدْراكَ) الخبر ، والعائد على ما ضمير الرفع في (أَدْراكَ) ، وما مبتدأ ، والحاقة خبر ، والجملة في موضع نصب بأدراك ، وأدراك معلقة. وأصل درى أن يعدى بالباء ، وقد تحذف على قلة ، فإذا دخلت همزة النقل تعدى إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بحرف الجر ، فقوله : (مَا الْحَاقَّةُ) بعد أدراك في موضع نصب بعد إسقاط حرف الجر.
والقارعة من أسماء القيامة ، لأنها تقرع القلوب بصدمتها. وقال الزمخشري : تقرع الناس بالأقراع والأهوال ، والسماء بالانشقاق والانفطار ، والأرض والجبال بالدك والنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار ؛ فوضع الضمير ليدل على معنى القرع في الحاقة زيادة في وصف شدّتها. ولما ذكرها وفخمها ، أتبع ذلك ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب ، تذكيرا لأهل مكة وتخويفا لهم من عاقبة تكذيبهم. انتهى.
وقرأ الجمهور : (فَأُهْلِكُوا) : رباعيا مبنيا للمفعول ؛ وزيد بن عليّ : فهلكوا مبنيا للفاعل. قال قتادة : بالطاغية : بالصيحة التي خرجت عن حد كل صيحة. وقال مجاهد وابن
__________________
(١) سورة القلم : ٦٨ / ٤٤.