يقال : والملائكة؟ قلت : الملك أعم من الملائكة. ألا ترى أن قولك : ما من ملك إلا وهو شاهد ، أعم من قولك : ما من ملائكة؟ انتهى. ولا يظهر أن الملك أعم من الملائكة ، لأن المفرد المحلى بالألف واللام الجنسية قصاراه أن يراد به الجمع المحلى بهما ، ولذلك صح الاستثناء منه ، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلى بهما. وأما دعواه أنه أعم منه بقوله : ألا ترى إلخ ، فليس دليلا على دعواه ، لأن من ملك نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها من المخلصة للاستغراق ، فشملت كل ملك فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه فانتفى كل فرد فرد ، بخلاف من ملائكة ، فإن من دخلت على جمع منكر ، فعم كل جمع جمع من الملائكة ، ولا يلزم من ذلك انتفاء كل فرد فرد من الملائكة. لو قلت : ما في الدار من رجال ، جاز أن يكون فيها واحد ، لأن النفي إنما انسحب على جمع ، ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد.
والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه من فيكون أعم من جمع دخلت عليه من ، وإنما جيء به مفردا لأنه أخف ، ولأن قوله : (عَلى أَرْجائِها) يدل على الجمع ، لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد ، بل في أوقات. والمراد ، والله تعالى أعلم ، أن الملائكة على أرجائها ، لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات. وقال الزمخشري : يعني أنها تنشق ، وهي مسكن الملائكة ، فينضوون إلى أطرافها وما حولها من حافاتها. انتهى. والضمير في فوقهم عائد على الملك ضمير جمع على المعنى ، لأنه يراد به الجنس ، قال معناه الزمخشري. وقيل : يعود على الملائكة الحاملين ، أي فوق رؤوسهم. وقيل : على العالم كلهم. والظاهر أن التمييز المحذوف في قوله : (ثَمانِيَةٌ) أملاك ، أي ثمانية أشخاص من الملائكة ؛ وعن الضحاك : ثمانية صفوف ؛ وعن الحسن ، الله أعلم كم هم ، أثمانية صفوف أم ثمانية أشخاص؟ وذكروا في صفات هؤلاء الثمانية أشكالا متكاذبة ضربنا عن ذكرها صفحا.
(يَوْمَئِذٍ) : أي يوم إذ كان ما ذكر ، (تُعْرَضُونَ) : أي للحساب ، وتعرضون هو جواب قوله : (فَإِذا نُفِخَ). فإن كانت النفخة هي الأولى ، فجاز ذلك لأنه اتسع في اليوم فجعل ظرفا للنفخ ووقوع الواقعة وجميع الكائنات بعدها ؛ وإن كانت النفخة هي الثانية ، فلا يحتاج إلى اتساع لأن قوله : (فَيَوْمَئِذٍ) معطوف على (فَإِذا) ، و (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) بدل من ف (يَوْمَئِذٍ) ، وما بعد هذه الظروف واقع في يوم القيامة. والخطاب في (تُعْرَضُونَ) لجميع العالم المحاسبين. وعن عبد الله : رأى موسى في القيامة عرضتان فيهما معاذير وتوقيف